هذه المقابلة مترجمة بتصرف بعد نشرها الجمعة الماضي في النسخة الإنكليزية من "العربي الجديد".
انتهت صلاحية تأشيرة دخول فاديا لوباني إلى المملكة المتحدة الإثنين، أي قبل يومين من العرض الأول لفيلمها الطويل في معهد الفيلم البريطاني في لندن. لكن بالها في مكان آخر، إذ تلاحظ فرناً لصنع البيتزا، وتتساءل إن كان يمكن تدشين واحد مثله داخل المدرسة التي أسستها في مخيم برج البراجنة، في لبنان.
تقول فاديا لوباني: "لأننا لا نستطيع الخروج، أريد إحضار العالم كلّه إلينا".
تعلّق صديقتها المخرجة سارة بدينغتون: "هذه هي فاديا. لا تكتفي مثلاً بتناول البيتزا، بل تلاحظ الفرن وتقول: نعم! نستطيع بناء واحد مثله في إحدى زوايا روضة الأطفال. إنه شديد الجمال. نستطيع صنع البيتزا للجميع. وأردّ أنا: نعم، فلنقم بذلك". وتضيف: "أرافقها إلى الحديقة العامة، وإذ بها تفكر: كيف يمكنني إحضار هذه الحديقة لشعبي؟ كيف يمكنني منحهم هذا الشعور بالحرية؟".
فرّت عائلة فاديا من المجازر الصهيونية في فلسطين عام 1948 إلى لبنان. خلال السنوات الـ 34 الماضية، عملت فاديا مدرّسة، وساعدت في إبقاء القصص عن بلدها حيّة. خارج دوام عملها، تزرع أشجار فاكهة، ليتمكن الأطفال المولودون في المخيم من التعرّف إلى الطبيعة أثناء ترعرعهم.
خلال الأيام الماضية، كانت في لندن، لحضور عرض فيلم "شجرة فاديا" Fadia’s Tree في معرض وايت تشابل. هذا فيلم سارة الطويل الأول، وفرصة فاديا الأولى لمشاركة قصتها مع العالم. وهذه المرة الأولى التي تلتقي فيها أخواتها خارج المخيم.
يتتبع الفيلم رحلة سارة بحثاً عن شجرة توت في موقع منزل عائلة فاديا. بعد أشهر من مغادرة عائلة فاديا، دمرت قوات الهاغانا الصهيونية قرية سعسع وذبحت سكانها. فاديا على يقين من أن الشجرة لا تزال موجودة، لكنها لا تستطيع إرشاد سارة إلا بقصص عائلية عن الحياة في فلسطين. من دون الجنسية الرسمية، لا تستطيع فاديا العودة إلى وطنها، رغم الضمانات المنصوص عليها في القانون الدولي. عائلتها جزء من 700 ألف فلسطيني فروا من بلادهم عام 1948.
بينما تسافر سارة جنوباً، تنجذب إلى أنماط هجرة الطيور التي توجه غريزياً للعودة إلى المنطقة كل عام. إنها تقدّر "منطقها" (الطيور) غير المبالي بالحدود المصطنعة، إذ ترشدها مناظر الساحل والنجوم. وتقول إن هذه العودة سنوياً "جزء من حمضها النووي".
لكن هذه المناظر متاحة للمحظيين فقط. في أحد مشاهد الفيلم، تتجه فاديا إلى الحدود اللبنانية-الفلسطينية، وتتوقف لتشاهد شروق الشمس بينما القمر لا يزال وسط السماء. في مخيم برج البراجنة لا يمكنها رؤية هذا المشهد، فالمباني الشاهقة التي يتزايد عددها باستمرار، لاستيعاب اللاجئين الجدد، تخفي العالم وراءها.
لكن الفيلم الذي صور على مدار سنوات ألقى ضوءاً جديداً على المخيم، وتفاعل معه الجمهور إيجابياً. حاز الفيلم جائزة منظمة العفو الدولية في مهرجان دونوستريا-سان سيباستيان لأفلام حقوق الإنسان في إبريل/نيسان الماضي، ورشح لنيل جائزة صنبيرد للأفلام الوثائقية العام الماضي.
في الذكرى الـ 74 للنكبة، تأمل فاديا أن يذكّر الفيلم العالم بمجتمعها المهمل في الضواحي الجنوبية لبيروت. فاديا، وهي جدّة، تأمل ألا ينسى شعبها المكان الذي أتوا منه. تقول: "نشعر كأننا ننسى الناس. التقدير الذي يحظى به الفيلم يجعلني أحس أن الكثير من الأشخاص، ربما الآلاف، أو حتى مليون لاحقاً، يفكرون فينا وفي معاناتنا". تضيف: "هذه ليست قصة فاديا، بل قصة كل من يعيش في المخيم".
لا يزال لدى فاديا الكثير من القصص لترويها عن المخيم. تقول سارة: "تكتب دائماً. في كتاباتها روح الدعابة القاتمة التي تعكس حياة الناس في المخيم. في جعبتها أيضاً عدد من القصص القصيرة، نُشر بعضها للتو في مختارات للكاتبات في لبنان".
قصة فاديا قصة أمل. وكانت تأمل أن تمدد صلاحية تأشيرتها لتتمكن من مشاهدة فيلمها في معهد الفيلم البريطاني. وتأمل تحسن الظروف في المخيم، لتضمن لجميع من يعيشون فيه الرعاية الصحية والتعليم الجيد. وتأمل، كما الطيور على إحدى أشجار فلسطين، أن تتمتع هي أيضاً ذات يوم بحرية اختيار الغصن الذي ستحط عليه.