من أدغال كيبالي، جنوب أوغندا، يبدأ الموسم الثاني من سلسلة Animal الوثائقية (أو "عالم الحيوان المدهش" بالعربية، كما تُسميه منصة نتفليكس). تتناول السلسلة الحياة البرية بصوت المشاهير. الشخصية الرئيسية في الحلقة الأولى من الموسم الجديد صغير شمبانزي يعيش مع عائلته وسط مجتمع من قرود الشمبانزي، يزيد عدد أفراده عن 150. تتبع الحلقة المراحل المبكرة في حياة الصغير بصوت ألفناه في أفلام الخيال عن القرود، هو صوت الممثل الإنكليزي من أصل عراقي آندي سركيس، الذي أدى أدوارا رئيسية في بعض أفلام سلسلة Planet of the Apes (كوكب القردة).
بلقطات قريبة لقردة تستعمل أدوات بدائية، وتفلّي بعضها بعضاً، يفتتح سركيس التعليق الصوتي: "عائلة الحيوانات التي ننتمي إليها ذكية وحساسة". وبما أن صغير الشمبانزي يعيش في عائلة كبيرة تحميه، فلا خوف عليه من الحيوانات الأخرى. لكن، سركيس يقول: "أكبر العقبات ستأتيه من أبناء جنسه". من هنا، وكما هو متوقع، تم تسليط الضوء على هذه الحيوانات بوصفها أقرب نوع للإنسان في عائلة البشرانيات، أو القرود العليا، التي تتماهى مع الإنسان في بعض صفاتها، كالعيش ضمن عائلة، وإظهار التعاطف، والذكاء. وربما الأهم من كل ذلك، استعمال العنف بين أفراد الفصيل الواحد، ولأسباب أخرى غير الافتراس.
قد لا يجد محبّو وثائقيات الحياة البرية في هذه السلسلة زوايا أو معلومات جديدة، تضيف إلى ما قدمته المسلسلات والأفلام الوثائقية التي سبقتها. لكن، إلى جانب الجودة العالية للمواد البصرية، يحاول صانعو السلسلة تمييزها، من خلال تقديم سرد صوتي مختلف، ربما يضاهي المعلق الأول والأفضل في هذا المجال: ديفيد أتينبارا. كل حلقة من حلقات Animal، تُروى بصوت ممثل أو ممثلة من المشاهير المحترفين بالأداء الصوتي. أبرز هذه الأصوات، استمعنا إليه في الموسم الأول، في الحلقة المخصصة للكلاب البرية، بحنجرة براين كرانستون. فيها، سيستمتع عشاق المسلسل الدرامي الشهير Breaking Bad بصوت بطلهم الأثير والتر وايت، يشرح حصة في العلوم عن أساليب الصيد عند الذئاب والثعالب. هناك أيضاً الأداء المميز والطريف للممثلة الأسترالية ريبيل ويلسون في الحلقة الثالثة عن الجرابيات.
في الموسم الجديد، يؤدي الممثل الأميركي أنتوني ماكي التعليق الصوتي لحلقة عن الطيور الجارحة، فيما يعلق الممثل ديفيد هابر على الحلقة عن الدببة، أمّا الممثلة الأميركية التي اشتهرت بدورها في مسلسل Orange is The New Black أوزو أدوبا، فأدت التعليق الصوتي في الحلقة الأخيرة عن الدلافين. مع كل هذه المواهب والأسماء الشهيرة في عالم الترفيه، يظل أتينبارا الأفضل في مجاله.
تلتزم السلسلة، في كل حلقة، بالإشارة إلى صورة الواقع المظلم عن تهديد الحيوانات بسبب تراجع المساحات البرية، وارتفاع درجة حرارة الأرض. لكن، وبما أن الهدف من السلسلة هو الترفيه بالدرجة الأولى، يحرص الكاتب على اختتام الحلقات بما لا يعكر مزاج المشاهد؛ فنسمع المعلقين يرددون عبارات من قبيل: "للطبيعة قدرة استثنائية على التأقلم" و"لم يفت الأوان بعد"، وغيرها من العبارات المشحونة بالأمل، التي يواسي بها الإنسان نفسه. وبالرغم من أن السلسلة تخبرنا، على عجل، عن انخفاض نسب نجاة الصغار، وتراجع عدد بعض أنواع الحيوانات، فلا الخسارة ولا الموت هما مصير الكائنات التي تتابعها كل حلقة.
كل بطل ينتصر في النهاية بالنجاة، أو صيد الفرائس، بصورة تتماهى أحياناً مع صورة البطل الخارق في حكايات هوليوود، ومع ما يتمناه الإنسان عن نفسه. مثلاً، في حلقة عن الطيور الجارحة، بصوت كابتن أميركا الجديد أنتوني ماكي، يقول وكأنه يصف بطل عالم مارفل الخارق: "حكّام السماء ورموز الحرية صيادون منقطعو النظير".
في حين تعادل المواد البصرية هذا التصوير البطولي للطيور، وهي تفرد أجنحتها وتطير بسرعات "خارقة"، فوق مناظر طبيعية ساحرة، وتغوص في الماء لالتقاط الفريسة، وتحلق على ارتفاعات منخفضة، وتطير بسرعة بين الأشجار والأغصان حيث "لا خطوط طيران مفتوحة". التصوير هنا، من دون شك، من أجمل ما أنتجته التقنيات المستخدمة في السلسلة، وهو يشبه إلى حد كبير في بعض اللقطات، تصوير مناورات الطيارين في أفلام الآكشن مدعمة بالموسيقى التصويرية نفسها.
الحلقة الثالثة في الموسم الثاني، تبدأ تحت ثلوج ماساتشوستس في الولايات المتحدة، حيث ترقد أنثى الدب الأسود الأميركي في سباتها الشتوي، وكانت قد استفاقت منه لفترة قصيرة كي تلد صغارها وتعود إلى نومها.
تتبع الكاميرا هذه الأنثى وصغارها من شتاء إلى شتاء، ومن سبات إلى سبات، بينما تمر على أنواع أخرى من الدببة التي صوّرت بكثرة في وثائقيات الحياة البرية، كالدب القطبي والباندا. ومع أن الدببة من المواضيع المستهلكة بكثرة في مثل هذا النوع من الإنتاج، تحافظ هذه الكائنات على شعبيتها، ربما بفضل دمية الدبدوب وما ترمز إليه، أو بفضل حكايات الدب والعسل الطريفة، وهذا تماماً ما تمر عليه وتكثفه هذه الحلقة.
القرود والدببة والدلافين والسنوريات والكلبيات، وحتى رأسيات القدم، ليست مواضيع جديدة، لكن سلسلة Animal من دون شك تؤدي غرض الترفيه بجودة عالية، ويمكن لمن يملكون أجهزة تلفزيون بتقنية 4K، اختبار شاشاتهم بهذه السلسلة والاستمتاع بكثافة الألوان ودقة العرض. ومع أن السلسلة صُنفت لفئة عمرية تشمل أطفالاً بعمر سبع سنوات، إلا أن هناك عدداً من مشاهد العنف والتزاوج، التي ستكون حادة على صغار في مثل هذا السن، ومنها مثلاً مشاهد افتراس الشمبانزي لقرد كولومبوس الأحمر.