خرجت "فيسبوك" وتطبيقات "إنستغرام" و"واتساب" و"ماسينجر" التابعة لها، أمس الثلاثاء، من عطل غير مسبوق، أغرق المجموعة في مشكلة تضاف إلى أزمة تسريب وثائق داخلية تدينها، وتقف خلفها موظفة سابقة فيها.
وذكر موقع "داون ديتيكتور" المتخصّص في رصد أعطال الخدمات الرقمية، أن العطل الذي أصاب "فيسبوك" وتطبيقاتها هو "أكبر انقطاع شهدناه حتى الآن. إذ طاول مليارات المستخدمين". وفي تغريدة، أوضح "داون ديتيكتور" أنّه تلقّى "أكثر من 10.6 ملايين بلاغ عن عطل من حول الكوكب" مشيراً إلى أنّ أول بلاغ عن عدم القدرة على الدخول إلى "فيسبوك" ورده قرابة الساعة 15:45 بتوقيت غرينتش.
وغردت "فيسبوك" شبكة التواصل الأكبر في العالم، ليل الاثنين-الثلاثاء، بعد عطل استمر سبع ساعات: "الأشخاص والشركات في أنحاء العالم كافة يعتمدون علينا للبقاء على اتّصال ببعضهم البعض"، مضيفة "نتقدّم بالاعتذار لأولئك الذين تأثروا" بالانقطاع.
تراجعت أسهم "فيسبوك" 5.5 في المائة في التعاملات بعد ظهر الاثنين، متجهة نحو أسوأ أداء يومي لها منذ نحو عام. ووفقاً لوكالة "بلومبيرغ"، انخفضت الثروة الشخصية لمؤسس "فيسبوك"، مارك زوكربيرغ، بأكثر من 6 مليارات دولار في غضون ساعات قليلة.
حصل هذا العطل في وقت غير مؤات لـ"فيسبوك"، مع مرورها بإحدى أسوأ الأزمات التي تطاول سمعتها. وتعود هذه الأزمة إلى المهندسة فرانسيس هاوغين، وهي الموظفة السابقة في المجموعة التي اتهمت شبكة التواصل باختيار "الربح المادي على سلامة مستخدميها"، في مقابلة بثتها محطة "سي بي إس" الأحد.
وأعطت المعلومات التي كشفتها هاوغين ذخيرة جديدة لمنتقدي "فيسبوك" التي يستخدم منصاتها الأربع شهرياً نحو 3.5 مليارات شخص. ورأى الرئيس الأميركي جو بايدن أن ما كشف من معلومات يظهر أن الشركة "لا تعرف ضبط نفسها"، على ما قالت الناطقة باسمه جين ساكي الاثنين. وأكدت ساكي أن هذه المعلومات "تثبت المخاوف بشأن السلطة التي حشدتها الشبكات العملاقة"، وفق ما نقلت وكالة "فرانس برس".
ما سبب العطل في "فيسبوك" وتطبيقاتها؟
أوضحت "فيسبوك"، في بيان، أن العطل الواسع سببه "تغيير خاطئ في إعدادات الخوادم" التي تربط عبر الإنترنت هذه المنصّات بمستخدميها. وأضافت أن العطل الفني تسبب "بسلسلة من المشاكل أثرت على أدوات وأنظمة كثيرة نستخدمها داخلياً يومياً، ما عرقل جهودنا لتشخيص المشكلة وحلها".
واستفاد منافسو "فيسبوك" من العطل، فانتقل تطبيق "تيليغرام" من المرتبة السادسة والخمسين للتطبيقات المجانية الأكثر تحميلاً في الولايات المتحدة إلى المرتبة الخامسة، في غضون يوم واحد، وفقاً لشركة "سنسر تاور" المتخصصة. وكتب تطبيق "سيغنال" للمراسلة أيضاً أنّ "التسجيلات شهدت ارتفاعاً كبيراً". وشهدت منصة "تويتر" تغريدات تهكمية، فيما اشتكى آخرون من انقطاعهم عن معارفهم أو توقف مصدر رزقهم أو أداة عملهم.
مساعٍ لفرض ضوابط
من شأن الحادث أن يدعم موقف منتقدي الشركة، لأنّه يظهر سطوتها الواسعة على الحياة اليومية. وشدد أحد مؤسسي "بريتش كويست" حول الأمن الإلكتروني، جيك وليامز، في حديث لـ"فرانس برس" على أن تأثير الحادث أسوأ في كثير من الدول حيث "تتماهى فيسبوك مع الإنترنت" أو المستخدمين الذين يلجؤون إلى شبكة التواصل للوصول إلى خدمات أخرى.
وقالت مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون المنافسة مارجريت فيستاغر، اليوم الثلاثاء، إن انقطاع "فيسبوك" يظهر عواقب الاعتماد على عدد قليل من الشركات الكبرى ويؤكد الحاجة إلى مزيد من المنافسة. وأضافت عبر "تويتر": "نريد بدائل وخيارات في سوق التكنولوجيا، ويتعين ألا نعتمد على عدد قليل من اللاعبين الكبار، أياً كانوا، هذا هو هدف قانون الأسواق الرقمية".
فيستاغر اقترحت العام الماضي مسودة قواعد تُعرف باسم قانون الأسواق الرقمية التي تحدد قائمة بالأمور المسموحة وتلك الممنوعة، بالنسبة لشركات "أمازون" و"آبل" و"فيسبوك" و"غوغل"، لإجبارها على تغيير نموذج أعمالها الأساسي للسماح بمزيد من المنافسة.
وتملك السلطات من الآن حججاً كثيرة لشن حملة على "فيسبوك" خصوصاً بعد تسريب وثائق داخلية عبر فرانسيس هاوغين، سمحت لصحيفة "وول ستريت جورنال"، منتصف سبتمبر/أيلول، بنشر سلسلة من المقالات حول التأثير المضر لـ"فيسبوك" و"إنستغرام" على المجتمع. ومن أبرز هذه الوثائق واحدة تفصل المشاكل النفسية لكثير من المراهقات. وأظهرت البحوث أن 32 في المائة من المراهقات شعرن بأن استخدام "إنستغرام" منحهن صورة أكثر سلبية عن أجسادهن فيما لم يكنّ راضيات أصلاً عنها. وأكدت المهندسة العاملة سابقاً في "فيسبوك" أن شبكة التواصل مدركة جيداً لهذا الانحراف.
وتمثل هاوغين أمام لجنة برلمانية أميركية اليوم الثلاثاء، في جلسة تمحورت حول هذه المسألة تحديداً. وفي مقتطفات حول ملاحظاتها التمهيدية التي بثتها وسائل إعلام أميركية، ستحث هاوغين البرلمانيين على وضع ضوابط لـ"فيسبوك" وهو أمر يعد به الكثير منهم بانتظام.
محاولات للحد من الضرر
قبل أن تكشف هاوغين عن هويتها الأحد، أجرى نائب رئيس مجموعة "فيسبوك" نيك كليغ، مقابلة مع محطة "سي أن أن" الأميركية. وقال كليغ الذي كان نائب رئيس الوزراء البريطاني بين 2010 و2015: "بحوثنا أو بحوث أي طرف آخر لا تدعم حقيقة أنّ إنستغرام سيّئة أو مضرة للمراهقين كلهم". وأضاف: "لا أجد أن من المفاجئ أنه إذا لم تكن تشعر بالرضا عن نفسك، سيجعلك استخدام وسائل التواصل تشعر بسوء أكبر".
وتحت الضغط، أعلنت الشركة أنها علقت تطوير نسخة من "إنستغرام" للأطفال دون الثالثة عشرة، لكنها لم تتخلّ عن المشروع تماماً.
ماذا كشفت هاوغين؟
فرانسيس هاوغين، هي خبيرة بيانات تبلغ من العمر 37 عاماً، من ولاية أيوا الأميركية، وتحمل شهادة في هندسة الكمبيوتر ودرجة الماجستير في الأعمال من جامعة "هارفارد". عملت لمدة 15 عاماً قبل توظيفها في "فيسبوك" في شركات عدة، بينها "غوغل" و"بينترست".
انضمت فرانسيس هاوغين إلى "فيسبوك" عام 2019. عُينت، بناء على طلبها، في قسم النزاهة المدنية المعني بالأخطار التي قد يشكلها بعض المستخدمين أو محتوى معين على حسن سير الانتخابات.
وقبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أدخلت "فيسبوك" تعديلات على خوارزمياتها للحد من انتشار المعلومات المضللة. لكن، وفقاً لهاوغين "بمجرد انتهاء الانتخابات" أعادت المجموعة الخوارزميات كما كانت عليه، "بهدف إعطاء الأولوية للنمو على السلامة". وأضافت "كان هناك تضارب في المصالح بين ما هو مفيد للجمهور وما هو مفيد لفيسبوك" مشيرة إلى أنّه "مرة تلو الأخرى، وضعت المجموعة مصالحها أولاً، أي كسب المزيد من المال".
وكشفت هاوغين أنه بعد إعادة الخوارزميات القديمة استخدم الكثير من مشتركي "فيسبوك" المنصة للحشد لأحداث 6 يناير/كانون الثاني الماضي التي أدت إلى اقتحام مبنى الكابيتول.
وقالت هاوغين إن تغييراً أجري عام 2018، في تدفق المحتوى، ساهم في مزيد من الانقسام بين مستخدمي الشبكة.
ورد كليغ أن مسؤولية "التمرد" الذي حدث في مقر الكونغرس "تقع على الأشخاص الذين تسببوا في العنف وعلى من شجعوا عليه، بمن فيهم الرئيس (دونالد) ترامب". وأشار إلى أنه "من السهل جداً البحث عن تفسير تكنولوجي للاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة". لكنه أقر بأن "فيسبوك" يجب أن تحاول "فهم كيفية مساهمتها في المحتويات السلبية والمتطرفة وخطابات الكراهية والمعلومات المضللة".
من جانبها، قالت هاوغين: "لا أحد في فيسبوك شرير. لكن المصالح ليست متوافقة". واعتبرت أن مؤسس "فيسبوك" ورئيسها التنفيذي، مارك زوكربيرغ، لم يكن يسعى لجعل الموقع منصة كراهية "لكنه سمح باتخاذ خيارات" للترويج لنشر محتوى يحض على الكراهية.