في عرض جانبي لا يتطلب الدخول إلى عالم المشاهير والنجوم، نتعرف إلى شخصيتين متناقضتين في السلوك والأهداف، من خلال الفيلم الدرامي الموسيقي "كنت نجماً" (I Used to Be Famous) الذي عرض أخيراً على شبكة نتفليكس الأميركية.
يستهل الشريط حكايته بفرقة "استيريو دريم" التي نتعرف إليها بوصفها واحدة من أشهر وأنجح الفرق في بريطانيا عام 2002. بطل الفيلم فيني دي (إد سكراين) هو قائد الفرقة والمغني الرئيسي فيها. بعد عشرين عاماً، نشاهد فيني يجر عربة فوقها أجهزته الموسيقية. يتجول بها بين أحياء بيكنغهام، يبحث عن مكان يوفر له خشبة مسرح، تمكنه من عزف موسيقاه وأغنياته، لكن، من دون جدوى. هذا الانقلاب المفاجئ في حياة فيني، نكتشف أسبابه لاحقاً، بعد أن يلتقي الأخير بشاب يدعى ستيفي (ليو لونغ)، عازف الطبل المصاب بمرض التوحد.
تنطلق الأحداث بعد نشوء علاقة موسيقية بين فيني وستيفي. هذه العلاقة مركبة، تستهدف غايات إنسانية في المقام الأول. رحلة مغن مشهور فقد حظوته عند الجمهور، وشاب متوحد يملك موهبة العزف، تستبيح الغوص في أخلاقيات متعددة، وتكشف عن متطلبات مشاهدة غير تقليدية في صناعة السينما. وعلى الرغم من أن الطابع الافتراضي لمسار القصة يتحكم بالنتائج المتوقعة في سياقين، النجاح أو الفشل، فإن الطابع الدرامي يكشف عن نفسه بين تفاصل الحكاية، ويحدد خلفية البطلين النفسية والاجتماعية.
يختبر فيني حياة الشارع. يلتقي بمجموعة صغيرة من العازفين التي يشارك فيها ستيفي ووالدته أمبر (إليانور ماتسورا). تضم المجموعة خليطاً من الأفراد، محجبات ومتوحدين وذوي احتياجات خاصة وعرقيات متعددة. تبدو كطائفة تهتم بالعلاج الموسيقي. إلا أنها في صيغتها هذه،تشكل نسخة عن مجتمع مهمش بعيد كل البعد عن الأضواء والإعلام والشهرة. تتابع جلساتها ونشاطاتها داخل قاعة أنشطة خاصة في إحدى الكنائس. انخراط فيني معها هو انخراط للمشاهد واستمالته للتعرف إليهم أكثر من التعاطف معهم، أو مع رحلة فيني لاستعادة بريقه وتألقه. فالعلاقة هنا التي ستبرز أكثر بين البطلين، تكشف عن نوايا إنسانية واجتماعية تهتم في طرح وسائل خاصة في طريقة معالجتها. التعامل مع المتوحدين وذوي الاحتياجات الخاصة يتطلب رعاية خاصة، وخطوات مدروسة تستطيع حمايتهم وتأهيلهم للانخراط في المجتمع؛ إذ إن دفعهم للاشتباك المباشر مع الحشود والجماهير يعتبر تجربة غير تقليدية بالنسبة إليهم، وهو ما سنراه حين يتعرض ستيفي لمضايقات لفظية وعنصرية ستسبب له انهياراً نفسياً أثناء تقديمهما عرضهما الأول في إحدى الحانات.
تداعيات هذه الحادثة ستكشف لنا أكثر عن حياة فيني الخاصة. وفاة تيد شقيق فيني الصغير، قبل سنوات، بسبب مرض عضال، شكلت أزمة نفسية لديه، وكانت تلك الحادثة سبباً في ابتعاده عن الأضواء والشهرة. اهتمامه بستيفي، الذي تحول شكل علاقته به من علاقة مهنية إلى صداقة، هو انعكاس لعلاقته بشقيقه الصغير التي فقدها بعد وفاته.
في المقابل، سنرى تحولاً في شخصية ستيفي بعد تعرضه لحادثة الحانة. كان قد نال الدعم والتشجيع من قبل فيني. لكنه لم يتلقّه من والدته التي تسعى دائماً إلى حمايته وابعاده عن المخاطر. يصور الفيلم هذا التطور كنوع مختلف من الاهتمام والرعاية. فالمتوحدون لديهم أحلامهم وطموحاتهم. والعائلة من واجبها إتاحة المجال لهم للتعبير أكثر عن أنفسهم، وعدم التمسك بوسائل الحماية التقليدية سواء اجتماعياً أو فكرياً أو نفسياً، والإيمان بطاقاتهم وإبداعاتهم، وتوفير الأدوات والسبل المتاحة للانخراط في المجتمع. من هنا سينطلق ستيفي خلف حلمه في الدخول إلى معهد الموسيقى الراقي، وسيبحث عن نوادٍ ومسارح تقبل تقديم عروض موسيقية خاصة بالبطلين.
في سياق آخر، يحصل فيني على فرصة للعودة إلى حياة الشهرة من خلال أوستن صديقه وزميله السابق في الفرقة. تلك الفرصة ستخلق حالة وعي لدى فيني يختبر من خلالها بشاعة شركات الإنتاج وسطوتهم التي كانت سبباٍ في ابتعاده عن شقيقه تيد أثناء فترة علاجه، كما أنّها تسببت في تحجيم قدراته ومواهبه، التي لم يستطع التعبير عنها كما هو الحال مع ستيفي والمجموعة الصغيرة من الكنيسة، ما يدفعه للاستغناء عن هدفه الذي سعى إليه طويلاً، والعودة إلى الفرقة التي أسسها مع صديقه المتوحد.