آلاء نجم ممثلة عراقية شابة، صقلت موهبتها التمثيلية بدراسة أكاديمية. بعد حصولها على شهادة ماجستير من "أكاديمية الفنون الجميلة"، بدأت عملها الفني ممثلة محترفة، منذ عام 2008. عدد أعمالها، السينمائية والتلفزيونية والمسرحية، ليس كبيراً. سينمائياً، مثّلت في 4 أفلام: "صمت الراعي" لرعد مشتت، و"كرنتينة" و"مدخل إلى نصب الحرية" لعدي رشيد، و"بغداد حلم وردي" لفيصل الياسري. تلفزيونياً، لها مسلسلات عدّة، كـ"سنوات تحت الرماد" و"الطوفان ثانية" و"أوان الحب" و"حرائق الرماد" و"دنيا الورد".
بدأت العمل في ظروف صعبة مرّ بها العراقيون، لكنّك استطعت تأكيد حضورك في المسرح. أهذا إصرار، أم مجرّد حظّ؟
لا وجود للحظّ في الفنون كلّها، المسرح والسينما والموسيقى والشعر والكتابة. هناك موهبة نشتغل عليها بحرص وعناية ودراية ومعرفة، لتتحوّل إلى مُنجز إبداعي، وهناك إصرار وتحمّل وتجدّد. أتذكّر دائماً "إنّهم يقتلون الجياد.. أليس كذلك؟" (1969)، بطولة الممثلة الرائعة جين فوندا، الذي يتحدّث عن روح التحمّل وقسوته، والمهم ألّا تتوقف هذه الروح، فإذا توقّفت أو أبطأت، نخسر. نحن جيل حروبٍ متتالية وظروف قاسية. منذ بداية دراستي في "معهد الفنون الجميلة" ولغاية اليوم، لم نعش أي هدنة، بل ربما كانت الهدنة مع أنفسنا. أتحدّث عن نفسي. الهدنة كانت في داخلي. كان لا بدّ من ذلك، لنتحدّى الظروف القاسية بالإبداع. هذا نوع من المصالحة بين الواقع والذات، كي نستمر في الحياة والإبداع. أنت لا تكتب لتعيش، بل تعيش لتكتب، وأنا أعيش لأمثّل، وفي وعيي الداخلي الغد دائماً أفضل من الأمس واليوم. إنّه الإصرار إذاً.
لا وجود للحظّ في الفنون كلّها، المسرح والسينما والموسيقى والشعر والكتابة
أنت من الممثلات العراقيات اللواتي يتمتعن بموهبة كبيرة. ما الذي يجعلك بعيدة عن الانتشار العربي؟ ما الحواجز التي تمنع الممثل العراقي من تحقيق ذلك؟
الانتشار، عربياً أو عالمياً، يعتمد على الإنتاج لا على الموهبة فقط. بين سبعينيات القرن الـ20 وبداية تسعينياته، كان إنتاج الدراما العراقية غنياً، نصوصاً وإخراجاً وتمثيلاً وتوزيعاً. لهذا، كانت أسماء فنية عراقية كثيرة معروفة خليجياً، على الأقل. لكنْ، بغياب الإنتاج، وعدم جودة النصوص، ولا أقول ضعفها تماماً، وشحّ الأجور المتناسبة مع اسم الفنان وأدائه، وعدم تخصّص مدراء الإنتاج، فهم يريدون عملاً سريعاً ورخيصاً من دون الاهتمام بجودة العمل. الموضوع كامنٌ في حرص الفنان على اسمه وموهبته في الأداء، وأحياناً نجد فنانة أو فناناً معروفاً بموهبته، لكنّه يعمل مع فريق ضعيف مهنياً. هذا يُحبط كلّ شيء. الانتشار يعتمد على غزارة الإنتاج وجودته وتوزيعه عربياً، لا على موهبة هذه الفنانة أو تلك.
شاركت في أكثر من عمل سينمائي. هل تجدين السينما الميدان الحقيقي للظهور والشهرة، خاصة أنّ فرصة ذلك في السينما أكبر؟
لا تهمّني الشهرة، بقدر اهتمامي بالفيلم نفسه وبقصّته، بالسيناريو أيضاً، كما بالمخرج وفريق العمل، من ممثلين وفنيين. لا يهمّني أنْ يكون دوري قصيراً أو دور بطولة، بل أنْ يكون مؤثّراً، وأنْ يكون أدائي متميّزاً. في العالم كلّه، نجد أنْ السينما أكثر تأثيراً على المشاهدين، وأنّها تحقّق الشهرة. للأسف، السينما العراقية، إنْ صَحّ لنا إطلاق هذا المصطلح عليها، بطيئة، تمشي كسلحفاة عجوز. هناك أفلام سينمائية، ولا توجد سينما عراقية. الأفلام التي مثّلت فيها قليلة، وبعضها عُرض في مهرجانات دولية، ثم أُقفِل عليها في العلب إلى اليوم. أستغرب مثلاً لماذا لا يُعرض "صمت الراعي" لرعد مشتت على شاشات الفضائيات، وهي كثيرة.
هل حصلت على الدور الذي تتمنين تأديته في السينما؟ وما هو بالضبط هذا الدور؟
عندما أقول لك إنّي حصلت على الدور الذي أتمنّاه في السينما فيجب أنْ أتوقّف عن التمثيل. ليس هناك ممثّلٌ يجزم بحصوله على الدور الذي يتمناه. أستطيع القول إنّي مثّلت أدواراً أحببتها، ووجدتها مؤثّرة ومهمّة. لكن، حالما أنتهي منها بعد عرض الأفلام، أتمنى تمثيل دور أكثر تأثيراً وأهمية. عموماً، ما أدّيته في السينما العراقية لا يزال قليلاً جداً، قياساً لحياتي الفنية. أمّا عن طبيعة الأدوار التي أتمنّاها، فكثيرة. بطبعي، أحبّ الأفلام الملحمية، والأدوار المعقّدة التي أستطيع أنْ أُظهر عبرها طاقاتي الفنية. أفكّر مثلاً لماذا لم نُنتج ملحمة جلجامش سينمائياً، أو أفلمة روايات عراقية لفؤاد التكرلي وعبد الخالق الركابي وعبد الستار ناصر مثلاً. أعتقد أنّ الجمهور سيُقبل على أفلامٍ كهذه.
مشاركتك في أعمال مسرحية تكاد تطغى على مشاركتك في السينما والتلفزيون. أين تجدين مكانك بين هذا كلّه؟
المسرح هو البداية، والأب الشرعي لأي ممثل. هناك ممثلون سينمائيون عالميون يعودون إلى المسرح، ويشتاقون إلى أداء أدوارٍ مسرحية بين فترة وأخرى. كيفن سبايسي مثلاً، بدأ في المسرح، ثم اشتهر كممثل سينمائي، وعاد إلى المسرح بفضل "جياد الحرب". ممثلون عرب أبدعوا على خشبة المسرح، كإبداعهم أمام كاميرات السينما. هناك أسماء كبيرة تحضرني الآن: فؤاد المهندس وشويكار وشادية وسهير البابلي وعبد المنعم مدبولي وعادل إمام وغيرهم. شحّ الإنتاجين السينمائي والتلفزيوني يجعلني أتشبثّ ببيتي الأول، المسرح. أجد مكاني الأفضل في السينما، ولكنْ؟
مثّلت أدواراً أحببتها، ووجدتها مؤثّرة ومهمّة
شهادة الماجستير في دراسة المسرح، أكان لها أثر في مسيرتك التمثيلية، أم أنّ الموهبة أقوى في ذلك؟
أنا ممثلة قبل حصولي على ماجستير المسرح وبعده. الشهادة كانت لأغراض ثقافية معرفية بحتة، لا لحمل لقب. أردت من خلالها تحويل تجربتي الأدائية إلى بحثٍ علمي يطوّر عملي وعمل الآخرين. لم أكن أتمنّى أنْ يوضع جهدٌ دراسيٌّ وبحثيٌّ مضن على الرفوف، بل أنْ يتحوّل إلى دراسة منهجية، أو أنْ يستفيد منها زملائي الممثلين. أطروحة الماجستير كانت بعنوان "الاتصال اللفظي واللالفظي في أداء الممثل"، وهذا من صلب عملي وتجربتي في التمثيل، فأنا لم أذهب بعيداً في اختيار عناوين مبهمة في الدراسة المؤدّية إلى الماجستير، التي منحتني معرفة إضافية في أسلوب البحث العلمي، وزجّ التجربة العملية في هذا البحث. بالتأكيد، كان ولا يزال وسيبقى لها أثرٌ في أدائي كممثلة.
كيف تقيّمين تجربتك في الدراما التلفزيونية؟ ما هو تصوّرك للخلل الحقيقي الذي يعيق انتشار الدراما العراقية في الفضائيات العربية؟ النص، أو الأداء، أو الكتابة للتلفزيون؟ أو أنّ الخلل في الفضائيات نفسها؟
إذا تعلّق السؤال بتجربتي كممثلة، فهذا يعتمد على طبيعة الأدوار المُسندة إليّ. أستطيع القول إني راضية عنها. أما عن تجربتي مع الدراما التلفزيونية، فلا تزال قليلة ومتقطّعة، تراوح بين جزر وجزر، والمدّ فيها شحيح. بخصوص سبب عدم انتشار الدراما العراقية في الفضائيات، هذا يعتمد على قلّة الإنتاج، وعدم توفّر نصوص وجهود إنتاجية تنافس الدراما المصرية والسورية، وحتى الخليجية. يُضاف إلى ذلك أنّ هناك فضائيات كثيرة تُقاطع الدراما العراقية، عن قصد أو لأسبابٍ تتعلّق بسوق الدراما، وقوانين العرض والطلب.
يؤخذ الكثير على الإنتاج الدرامي، وتردّده في المساهمة بتطوير الدراما العراقية، في السينما والتلفزيون. إٔنّه أحد الأسباب، إنْ لم يكن السبب الأهمّ في تطوّر هذه الدراما. طبعاً مؤسّسات الدولة مشمولة بهذا التقييم. ماذا تقولين؟
الدراما كأي مُنتج آخر، مُنتج فني ثقافي. نحن لا نزال نجهل أنّ الدراما صناعة، تخضع للتنافس كبقية السلع. في الدول الغربية مثلاً، هناك اهتمام بصناعة الدراما، ويُنفَق عليها عشرات، بل مئات ملايين الدولارات الأميركية، وهذا سبب تطوّرها. في مصر، أيضاً، يُنظر إلى الدراما باعتبارها صناعة، يُنفق عليها كذا مبلغ، وتكون الأرباح كذا مبلغ. أما في العراق، وبسبب شحّ الإنتاج، وجهل القطاع الخاص بهذه الصناعة، وابتعاد مؤسّسات الدولة عنها، نرى أنّها تراجعت كثيراً.
في السابق، كانت هناك "شركة بابل"، التابعة للقطاع المختلط، و"مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون" و"دائرة السينما والمسرح"، وبعض شركات الإنتاج الفني، التي أسّسها وأشرف عليها مخرجون وفنيّون متخصّصون. هذا كلّه ساهم، بدرجات متباينة، في تطوير الدراما العراقية، بإنتاج أفلامٍ سينمائية، مهمّة أو بسيطة، وأعمالٍ تلفزيونية ومسرحية. هذا كلّه كان يصبّ في صالح الدراما العراقية.