عاد ملف التضييق على الحريات إلى تصدر المشهد العام في إقليم كردستان العراق الذي مثّل طوال السنوات الماضية ملاذاً للناشطين والصحافيين العراقيين الفارين من محافظات أخرى، بعدما باتت حكومة الإقليم تواجه انتقادات حادّة من المنظمات المعنيّة بحقوق الإنسان والمدافعة عن حرية التعبير، على إثر محاكمة مجموعة من الصحافيين والناشطين الفاعلين في ساحات الاحتجاج والتظاهر في محافظة دهوك، وإدانتهم بأحكامٍ مختلفة.
كانت السلطات الأمنية في الإقليم قد اعتقلت خلال العامين الماضيين أكثر من 70 صحافياً وناشطاً، بتهم مختلفة، منها محاولات إسقاط الحكومة وزعزعة الأمن والاستقرار والتخريب وتلقي الدعم والمساعدة من أطرافٍ خارجية. وأصدر القضاء أحكاماً بالسجن لمدة ستّ سنوات على خمسة منهم مطلع العام الحالي، وهم شيروان شيرواني وكوهدار زيباري وشفان سعيد وأياز كرم وهريوان عيسى.
والاثنين الماضي، أصدرت محكمة جنايات أربيل الثانية حكماً بالسجن فترات متفاوتة بحق أربعة من الناشطين والصحافيين، وهم مسعود علي وشيروان طه أمين وبندوار رشيد وكاركه عباس.
قال مصدر مقرّب من عائلة الصحافي المدان شيروان طه أمين، لـ"العربي الجديد"، إن قوات الأمن الكردية في محافظة دهوك اعتقلته في 5 سبتمبر/أيلول 2020، وإن والدته حاولت رؤيته مرات عدة من دون جدوى إلى أن توفيت في سبتمبر/أيلول الماضي بجلطة دماغية.
وأفاد المصدر نفسه بأن التهم الموجهة إلى شيروان طه أمين هي "التخطيط لتنفيذ هجوم" على مقرٍ لـ"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، و"التواصل مع السفارة الأميركية لطلب المساعدة في نقل احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول من بغداد إلى منطقة بادينان في الإقليم"، وكذلك "التواصل" مع رئيس الجمهورية برهم أحمد صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
في مؤتمر صحافي أمام محكمة جنايات أربيل الاثنين، وصف محامي الدفاع عن المتهمين الأربعة، هريم شيرواني، الحكم بأنه "سياسي"، قائلاً إن المحكمة "استندت إلى أدلّة ضعيفة، ولا يحاكم المُتهم بها بهذه المدّة". وأكد شيرواني: "سنطعن بالحكم في محكمة التمييز".
ويتّفق عضو برلمان كردستان عمر كولبي مع شيرواني بوصفه قرار المحكمة بـ"السياسي"، مشيراً إلى أن مراحل توجيه التهم وطريقة اعتقال الصحافيين والتحقيق معهم وإصدار الحكم ضدّهم لم تمرّ بالمراحل القانونية، إذ لم يُسمح لهم بتوكيل محامي دفاع عنهم، وعُين محامٍ لهم داخل قاعة المحكمة.
وأضاف كولبي أن "تُهم التخريب وإحداث العنف وغيرها من التُهم الأخرى التي وجّهت لهم لم تُثبت عليهم حتى الآن بالدليل القاطع، ولم يحضر أي شاهد ضدّهم، وليست لهم سوابق سيئة في المحاكم".
وقال كولبي، لـ"العربي الجديد"، إن محاكمة الأشخاص الأربعة وفق المادة الأولى من قانون رقم 21 لسنة 2003 "ظلم كبير"، مبيناً أن "أحكاماً سياسية" سبقت أحكام المحكمة لـ"إسكات الأفواه".
وأشار إلى ضرورة إبقاء السلطة القضائية مستقلّة ومحايدة، وألا تُجامل أي طرفٍ أو جهةٍ سياسية.
وقال المحامي ريفينك ياسين الذي يتولى عن مجموعة من الصحافيين والناشطين الذين صدرت بحقهم أحكام مختلفة في دهوك إن الملف "سياسي بحت" مع عدم وجود أي دليل يثبت التُهم بحق الذين صدرت بحقهم أحكام مختلفة، مُحذراً من أنّ هذه الأحكام "تُزيد من الشكوك حول استقلالية القضاء وعمل المحاكم والقانون في كردستان".
وأشار المحامي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الهجرة اليومية التي يشهدها الإقليم حالياً جاءت "نتيجة الإحباط واليأس من القانون والقضاء" في كردستان.