فيلم فريد من نوعه، شكلا ومضمونا، مزج بين نوعين مختلفين في عالم السينما الإيراني، وهما الكوميديا والرعب، اللذان يصعب الجمع بينهما، لاختلاف كل منهما عن الآخر. "زالاوا" الإيراني الكُردي حقق هذا النجاح فأبهر وخطف الضوء والألوان، الرعب فيه ليس مصطنعاً من نسج الأفلام الخيالية، بل ذاتي وطبيعي ملفوف بأسرار وألغاز، كالرعب الذي نعيشه أحيانا في حياتنا ونلامسه في بيئتنا. يرويه "زالاوا" بنكهة كوميدية، فالسرد فيه من الرعب إلى الفكاهة والعكس، مجسدا لحظات غريبة بخط تمثيلي موحد وأداء ممتاز.
"زالاوا" كلمة كُردية مركبة، تعني "القرية البيضاء"، وهي اسم القرية التي تدور فيها أحداث الفيلم، الذي يجسد قصة خيالية في قرية خيالية مع سكان خياليين، رحلوا من الشرق إلى القرية وهم خائفون من وجود الجن فيها، فيطلبون ذات مرة من رئيس المخفر في المنطقة النجدة، لكن الرجل العسكري لا يصدقهم وليس مؤمناً بوجود الجن هناك.
يزور النقيب القرية، ملتقيا رجلا يدعي أنه يمتلك قدرات تمكّنه من القبض على الجن، فبعد ذلك تدور أحداث بين الأهالي ورئيس المخفر وهذا الرجل. ينسج السيناريو خيوط القصة على نحو يجسد كيفية تحول القناعة إلى خرافة لدى الناس. وخلافا للمألوف في الأفلام الإيرانية، لا يمكن للمشاهد تحديد الخاتمة من البدايات في "زالاوا"، ما جعل كل لحظة من حيثيات الفيلم جديدة ومثيرة.
حصد "زالاوا" أربعاً من جوائز "العنقاء البلورية" في مهرجان "فجر" السينمائي في إيران، المنعقد قبل نحو شهر، وهو أبرز حدث سينمائي في البلاد. حصل أرسلان أميري على جائزة أفضل مخرج، ومحمد رسولي على جائزة أفضل مصور، وبوريا رحيمي سام على جائزة أفضل ممثل يعلب دورا ثانوياً، والثلاثة أرسلان أميري وآيدا بناهنده وتهمينه بهرام على جائزة أفضل سيناريو.
أبطال الفيلم هم نويد بور فرج، وبوريا رحيمي سام، وهدى زين العابدين، وباسط رضايي، وشاهو رستمي، وفريدون حامدي وصالح كريمي وزاهد زندي.
"زالاوا" هو العمل السينمائي الأول من إخراج أرسلان أميري
الفيلم الأول
أرسلان أميري، شاب كُردي ينحدر من مدينة سنندج، مركز محافظة كردستان، غربي إيران، و"زالاوا" هو أوّل فيلم يخرجه. في حديث إلى "العربي الجديد"، يشير أميري إلى أنه سيناريست ومونتیر بالأساس، منذ عشرين عاماً، موضحاً أنه حاصل على شهادة بكالوريوس في الإخراج من جامعة طهران للفنون، والماجستير في الأدب المسرحي من كلية الفنون الجميلة في جامعة طهران.
يعود تألق "زالاوا"، وفق أميري، إلى الفكرة الجديدة التي حملها، ونجاحها في المزج بين أنواع سينمائية، الرعب واللغز والمغامرة والكوميديا، مشيراً إلى أن أفلاماً بهذه المواصفات قلما تنتج في إيران والشرق الأوسط. ويوضح أن الفيلم له لغتان، الفارسية والكُردية، تم تصويره في كردستان إيران.
وعن دور الأكراد في السينما الإيرانية، يقول إنهم "ناشطون في صناعة الأفلام القصيرة"، مشيراً إلى "صعود جيل شاب بحوافز قوية بين السينمائيين الأكراد، لإثراء السينما الكردية بإنتاجات متنوعة ذات جودة عالية". يقول المخرج الإيراني إن "الأكراد محبون للفن، تحديداً السينما والموسيقى والرسم وصناعة التماثيل"، لكنه يشير إلى مشكلة تواجهها السينما الإيرانية هذه الأيام، وهي الركود من جرّاء الأزمة الاقتصادية على خلفية العقوبات الأميركية.
سينما القوميات الإيرانية، وخاصة السينما الكردية، تأثرت بهذه الأزمة، حسب أميري، "لكن المنتجين يواصلون نشاطهم في هذه الظروف الصعبة، وسنشهد خلال العام المقبل (الإيراني الذي يبدأ من 21 مارس) أفلاما جديدة".
أميري محظوظ، فزوجته، آيدا بناهنده، أيضاً فنانة إيرانية معروفة، وهذا يساعد الزوجين في مواصلة مسيرتهما الفنية وتألقهما معا. بناهنده شاركت في كتابة سناريو "زالاوا"، فحصلت مع المشاركين الآخرين، وهما أميري زوجها وصديقتها تهمينه بهرام، على جائزة أفضل سيناريو. واليوم تعمل مع زوجها الفنان في كتابة سيناريو لفيلم سينمائي آخر، كما يقول أميري لـ"العربي الجديد"، الذي أضاف أنه أيضاً يعمل حالياً على مشروع دولي مشترك لفيلمه الثاني.
حول السينما الإيرانية التي لها ميزاتها الخاصة في المنطقة، يقول أميري إنها "خلال السنوات الأخيرة اتجهت نحو الأفلام الاجتماعية"، لتعكس قضايا المجتمع، متحدثاً عن "صعود جيل جديد من منتجين إيرانيين يصنعون أفلاماً في بقية الأنواع والأصناف، لكن من وجهة نظري؛ فعلى الرغم من المشاكل الاقتصادية، إلا أن السينما الإيرانية لا تزال فريدة من نوعها في الشرق الأوسط".
ارتفعت "إنتاجات البث المنزلي" في إيران خلال السنوات الأخيرة
خلال السنوات الأخيرة، ارتفعت "إنتاجات البث المنزلي" بشكل مطرد في إيران. وكما يقول أميري، فإنّ "المخرجين القدماء توجّهوا إلى صناعة المسلسلات لخدمة Video on Demand أو VOD"، موضحا أنه "بعد ذلك، ظهرت موجة جديدة من المخرجين، قاموا بمجازفة صناعة الأفلام السينمائية، بطأت عملية إنتاج هذه الأفلام، والاستثمارات انتقلت من السينما إلى صناعة المسلسلات". ويوضح أميري أن "غالبية الأفلام السينمائية تنتج حالياً بموازنات زهيدة، رغم أن هناك أفلاماً قيد الإنتاج بموازنات عالية، لكن حضور المخرجين الجدد ملحوظ هذه الأيام".
منتجة إيرانية
سميرا برادري، منتجة إيرانية، أنتجت فيلم "زالاوا"، بدأت نشاطها الفني عام 2004، وشاركت في إنتاج أكثر من 20 فيلماً سينمائياً، وعملت مع مخرجين كبار. ورثت برادري فن الإنتاج من والدها روح الله برادري. بدأت عملها عام 2013 مع فيلم "احتمال بارش اسيدي" (احتمال المطر الأسيدي)، واصلته مع إنتاج "درساج" و"بيسر"، وأخيرا "زالاوا".
سميرا منتجة مجازفة، لكونها أقدمت على المغامرة بقبولها إنتاج أفلام سينمائية أخرجها فنانون جدد، فكانت ثلاثة من أربعة أفلام أنتجتها أول عمل لهؤلاء المخرجين.
في حديث إلى "العربي الجديد"، تشير إلى "كون العمل مع المخرجين الجدد فيه إبداع وله حلاوة خاصة، فهذه المغامرة تكون قيمة"، مشيدة بقدرات المخرج أميري، وقالت إنه "فنان ذو خبرة وله شهرة، كسيناريست، كما أنه عمل إلى جانب زوجته الفنانة". سميرا تقول إنها "عملت في السينما الكردية في تركيا"، مشيرة إلى أهمية الإنتاجات الفنية على أرضية الثقافات واللغات المحلية، لأنها "تثري الأعمال الفنية وتنوعها".
وفي سؤالنا لها عن كونها امرأة تعمل في مجال الإنتاج، تجيب: "أهمية أن يكون المنتج رجلاً أو امرأة، توازي أهمية أن يكون المنتج طويل القامة أو قصير القامة"، مشيرة إلى أن "المهم هو جودة الأعمال".
تتحدث المنتجة الإيرانية عن قيود تواجهها المرأة الإيرانية في السينما ومجال الأفلام القصيرة والوثائقية، متوقعة حضورا لافتا لها في صناعة الأفلام مستقبلا في السينما الإيرانية. وعن تأثير حضور الإيرانيات في السينما والتلفزيون في فهم قضايا المرأة في المجتمع وحل مشاكلها، تقول سميرا إن "مشاركة المرأة في المجالات الثقافية بطبيعة الحال لها تأثير كبير، وهناك فراغ في مشاركتها، على مستوى إدارة الشأن الثقافي، وهذا يشكل سدا كبيرا لتحقيق هذا الإنجاز المهم".
قيود تواجهها المرأة الإيرانية في السينما ومجال الأفلام القصيرة والوثائقية
ترى أن مشاركة الفنانات الإيرانيات في مهرجان فجر السينمائي "متدنية، سواء على مستوى أصحاب الأعمال أو لجنة التحكيم"، مشيرة إلى أن جميع أعضاء لجنة التحكيم في المهرجان خلال دوراته السنوية "رجال، عدا إمرأة واحدة تختار من بين الممثلات عادة. وفي لجان تخطيط سياسات المهرجانات خلال العقد الأخير لم تشرك أي امرأة". وتقول: "في الوقت الراهن، إن مشاركة النساء في المهرجانات الداخلية، أو بالأحرى الرسمية، تأتي لأجل اكتمال جنس المشاركين، ولا يبدو أن هناك تخطيطا طويل الأمد لإصلاح هذا الوضع". وتعزو أحد أسباب المشاركة الضعيفة للإيرانيات في الحقل الفني إلى أن "عدد الناشطات فيه أقل من الناشطين، وإذا ما نظرنا برؤية تاريخية؛ فعدد المنتجات أقل بكثير من المنتجين"، معربة عن أملها في أن تكون المنتجات الجديدات قد اخترن طريقا مختلفا: "لا أتصور أن إقصاءهن يمكن أن يحدث بسهولة".