بالغرافيتي تواصل الفنانة الفلسطينية الشابة أسمى غانم (29 عاماً)، من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، مشوارها الفني، وتحكي بلوحاتها عن الثورة الكامنة في سيرة أهم نساء العالم بعفوية ومن دون مبالغة.
أخيراً، أنجزت غانم جدارية ضمن مشروع "منارات" في أحد شوارع مدينة رام الله، واستمر عملها سبعة أيام. توضح لـ"العربي الجديد" أن "الفكرة تتضمن جدارية لأهم نساء العالم، لتعريف كل المجتمع بهن وبإنجازتهن، وهن المعمارية العراقية الشهيرة زها حديد، والناشطة الأميركية ضد العنصرية بحق السود والفلسطينيين أنجيلا ديفيس، وياسمين زهران وهي عالمة آثار من مدينة رام الله، والشاعرة الفلسطينية المعروفة فدوى طوقان".
تحكي غانم عن تلك الثورة الكامنة في أولئك النساء، وتقول: "لا داعي لأن أختار صورة مقرونة بالفعل النضالي أو غيره لهؤلاء النساء، فهن أصلاً مناضلات من دون الصورة التي أرسمها على الجدار، فالمهم أن أسماءهن كتبت في الشارع ومقولاتهن أيضاً، لدفع الناس للبحث حولهن. المهم أن يكمل الأفراد عملية البحث. لقد مر بي، مثلاً، أصحاب سيارات أجرة خلال عملي في الجدارية، وطلبوا مني أسماء النساء اللاتي أرسم وجوههن، وسجلوها على أوراق، ليعرفوا عنهن أكثر، أحدهم قال لي، وأعتبر الأمر نجاحاً للمشروع: (أمر من هنا يومياً، أريد معرفة من يكن هؤلاء النسوة)".
ولأن طابع المدن ذكوريّ أكثر، وتسيطر صور الذكور في الشارع وعلى فن الغرافيتي، فإنه بالإمكان تحليل المكان بالنظرة الجندرية، فحتى المباني ألوانها ذكورية، وفق غانم، وتقول: "لذا يجب أن نخلق توازناً في المكان العام، ووجودي لعمل جدارية في الشارع كأنثى كان ملفتاً، ما أعتبره تشجيعاً لنساء أُخريات لديهن أفكار عليهن تنفيذها".
غالباً تهتم الأمهات باستقرار بناتهن أو تجذير حياتهن الاجتماعية ضمن الأُسرة، لكن والدة أسمى واحدة من أمهات أخريات يدفعن باحترام رغبة الأبناء. تقول والدتها، نعيمة غانم، لـ"العربي الجديد": "بالنسبة لنا كأسرة، وليس على صعيدي كأم فقط، لدينا توجه لتنمية مواهب وقدرات أبنائنا، فقد لاحظت اتجاه الفنون لدى أسمى منذ طفولتها، وحرصت على تنمية هذا الجانب لديها، ولا أتطرق لهواجس الزواج المسيطرة في مجتمعاتنا العربية، حول أن ابنتي يجب أن تصل لعمر معين وتتزوج. نُشكل كعائلة عاملاً مساعداً للدعم، لكن أسمى هي التي ترسم الطريق".
ولدت أسمى غانم وكبرت في مخيم "خان الشيح"، جنوب غرب العاصمة السورية دمشق، وعقب توقيع "اتفاقية أوسلو"، عادت وعائلتها إلى مدينة رام الله عام 1995، لتنتقل حياة الريشة إلى جدارٍ آخر. لكن عائلة أسمى لم تمكث إلا عامين في رام الله، ثم عادت إلى سورية لتمكث هناك ثلاث سنوات، وتقفل بعدها عائدة إلى رام الله؛ وهكذا ظلت العائلة بين البلدين أعواماً طويلة، حتى العام 2008، إذ استقرت في الضفة الغربية.
تقول أسمى غانم: "عشت وترعرعت في سورية. وانتقالي ما بين فلسطين وسورية لم يخدم حصلية المخزون البصري فقط، بل خدم الهوية نفسها، فليست المسألة هنا تتعلق بكيفية الفن أو طريقته، هذا التنقل دفعني للبحث عن هويتي. شغلتني مسألة أن أكون لاجئة مذ كنت طفلة، لكنني أيضاً أشعر نفسي سوريّة".
وتؤكد: "لقد عبّرت بالفن عن كل هذا، وعن كل ما كنت أسمعه عن فلسطين وأنا لاجئة خارجها، وعن حنيني للوطن أيضاً، وعندما عدت لفلسطين بدأت أشعر بالحنين لسورية كوطن عشت فيه وأحبه. لذا طيلة الوقت أعبر عن فلسطين وسورية، وهذا ما يجب أن يدفعنا للتفكير بمفهوم الوطن بالنسبة إلينا".
استرعى أحد المشاهد المؤلمة خلال انتفاضة الأقصى عام 2000 اهتمام ريشة الفنانة الشابة بلحظة إدراك فنية مكثفة، لتعتبره بداية طريقها، وإن كانت قد رسمت قبل ذلك، وتقول غانم: "كان مشهداً على شاشة التلفاز لأم تحمل طفلها الشهيد أثناء انتفاضة الأقصى. انطبعت صورة الأم في رأسي، فرسمت لوحة على أثره، ولا أعرف ما إذا كانت اللوحة لا تزال بخير، لأن منزلنا في دمشق تعرض للقصف؛ لدي فيه كتب ورسومات كثيرة، أحزن عليها وعلى منزلنا في سورية".