"يعلو هدير الأمواج في قطاع غزة بأنّات التشريد التي انبعثت من مخيم دير البلح المُحاذي للشاطئ. كانت مساحته المُقدرّة بمئة واثنين وثلاثين دونماً أصغر بكثير من حجم الحنين الممزوج بالألم والمغروس في نفوس أهالي المخيم الذين كان عددهم في البداية حوالى تسعة آلاف لاجئ فلسطيني، ثم استمر هذا العدد بالتزايد في المخيم، الذي يعتبر أصغر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة، حتى وصل إلى أكثر من عشرين ألف قلبٍ يستشعر الغربة في وطنه، إثر لوعة التهجير المتوارثة جيلاً بعد جيلاً".
هكذا قدّم معين شلّولة بصوته، وعن نص لربا القدرة، الحلقة الأولى من سلسلة "أصل الحكاية"، التي أنتجها تلفزيون فلسطين حديثاً، كواحد من أبرز برامجه في الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة.
تشتمل السلسلة التلفزيونية الوثائقية على تسع حلقات، هي أقرب إلى الأفلام الوثائقية التلفزيونية القصيرة، تتوزّع على تسعة مخيمات للاجئين الفلسطينيين داخل وطنهم، أي في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى مخيّمات للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وسورية، والأردن، مدّة كلّ منها على 25 دقيقة، كما أن لكل منها فريقها.
يشير خميس ماخو، مدير عام البرامج في تلفزيون فلسطين لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أصل الحكاية" تأتي كسلسلة تلفزيونية وثائقية في إطار خطة برامجية شاملة لدى هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية لإحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، واصفاً هذه السلسلة بأنها تعكس حالة من حالات "توريث الذاكرة" لدى الشعب الفلسطيني، وخاصة اللاجئين، عبر الأجيال المتعاقبة.
جرى تصوير ثلاث حلقات في مخيّمات جباليا وخان يونس ودير البلح في قطاع غزة، ومثلها في مخيمات الجلزون قرب مدينة رام الله، وعسكر في مدينة نابلس، والعروب قرب الخليل بالضفة الغربية، وعين الحلوة في صيدا جنوبي لبنان، إضافة إلى حلقتين واحدة من عدّة مخيمات في الأردن، ومثلها من سورية.
ويلفت ماخو إلى أن فريق العمل يختلف من حلقة إلى أخرى، مع توحيد الشكل الفني والرؤية للسلسلة بأكملها، وهذا الرابط ما بينها، مشيراً إلى أن ما يميّزها عن غيرها من السلاسل التلفزيونية المتعلقة بالنكبة، اتكاؤها على ثيمة "توريث الحكاية"، والمزج ما بين كافة أجيال اللاجئين، والتقنيات البصرية العالية، والرؤى الإخراجية المتميزة على اختلاف منفّذيها، وهو ما يمكن للمشاهد ملاحظته منذ إطلاق الحلقة الأولى لـ"أصل الحكاية"، إذ يبدأ من الرواية الأصلية الأولى، وكيف تدرجت وصولاً إلى اليافعين والأطفال، "ما يؤكد حرص كبار السن على توريث حكايتهم لأبنائهم وأحفادهم، وأن هناك من لا يزالون على قيد الذاكرة المتقدة".
يقول ماخو: "نسعى عبر حكايات اللجوء هذه، التي توثق ما قبل وأثناء وما بعد النكبة، وتنتصر للجانب الإنساني علاوة على السياسي، مع عدم إغفال استخدام وثائق أرشيفية مُصوّرة، لنقل الحكاية الفلسطينية إلى العالم، ونقل ما عاشه ويعايشه اللاجئون الفلسطينيون في فلسطين وخارجها إلى العالم، فـ"أصل الحكاية" يشكل على مدار حلقاته، صوتاً لهم، وهو الصوت الذي يجب أن يبقى عالياً".
نسّق ماخو للعمل على سلسلة "أصل الحكاية" مع مدراء مكاتب تلفزيون فلسطين في البلدان التي تم التصوير فيها خارج فلسطين، كأمين شحرور في الأردن، وإياد خلف في سورية، وزينة عبد الصمد في بيروت، إضافة إلى محمد الوحيدي مساعد مدير عام البرامج في قطاع غزة، مشدداً على الدور اللافت لإسماعيل البس المصوّر في تلفزيون فلسطين لكونه يحظى بخبرة طويلة في التعاطي مع قضايا اللاجئين، مؤكداً أن البث سيكون في فترة الذروة المسائية ليحظى بمشاهدة عالية.
في الحلقة الأولى من مخيم دير البلح للاجئين، الذي تتواصل نكبات سكّانه، وتفاقمت بفعل العدوان الإسرائيلي الأخير على المخيم في إطار ما تشنّه قوات الاحتلال من غارات على القطاع بأكمله، وبفعل الحصار المتواصل على غزة منذ سنوات، تم التطرق إلى الكثير من الجوانب المهمة، التي تقدّم للمشاهد زخماً معلوماتيّاً مكثفاً في أكثر من جانب حول النكبة لما عايشها، ولمن ورثها ولا يزال يعيش تبعاتها.