وصل تحقيق استقصائي، أجرته "بي بي سي نيوز"، إلى أن منصة تيك توك، المملوكة لشركة بايتدانس الصينية، تحصل على نحو 70 في المائة من التبرعات التي تقدم عبرها إلى مئات الأسر في المخيمات السورية.
يمكن لمستخدمي البث المباشر في "تيك توك" إرسال هدايا يُرمز إليها برسوم، كمكافأة أو "بقشيش" لصانعي المحتوى. وتتنوع هذه الهدايا بين ورود رقمية قيمتها سنتات معدودة، وأسود وأكوان افتراضية تصل قيمتها إلى 500 دولار أميركي. الهدايا افتراضية، لكنها تكلف أموالاً حقيقية، ويمكن سحبها نقداً من المنصة.
والتقت "بي بي سي نيوز" منى علي كريم وبناتها الست اللواتي يتسولن المشاهدين، في بث مباشر عبر "تيك توك"، لمنحهن هدايا افتراضية، من خيمتهن. وفقاً لـ"بي بي سي نيوز"، قُتل زوج كريم بغارة جوية، ولجأت هي إلى بث "تيك توك" المباشر للحصول على مال لإجراء عملية جراحية لابنتها الضريرة. هذه الأسرة واحدة من مئات تتسول على هذه المنصة.
وقد تبرع لاعب الرغبي المحترف سابقاً والمؤثر على "تيك توك"، كيث ميسون، بهدايا عبر المنصة قيمتها 300 دولار أميركي لإحدى الأسر.
وتابع فريق "بي بي سي نيوز" أكثر من 300 حساب يقوم ببث مباشر من المخيمات السورية. ووجد أن الكثير منها حصد أكثر من ألف دولار في الساعة كجوائز. لكن الأسر التي تقيم في المخيمات تقول إنها لا تحصل إلا على جزء يسير جداً من أموال المتبرعين لها. إلى أين تذهب هذه الأموال؟
تواصل الصحافيون مع "تيك توك" لسؤالها عن المبلغ الذي تتقاضاه من التبرعات، لكنها رفضت الإفصاح، فأنشأوا حساباً على المنصة في سورية، وقاموا ببث مباشر، وأرسلوا 106 دولارات من الهدايا، من حساب آخر في لندن. بعد انتهاء البث المباشر، كان رصيد الحساب السوري الاختباري 33 دولاراً فقط، ما يعني أن "تيك توك" حسمت 69 في المائة من قيمة التبرعات، ثم حسم مكتب محلي للتحويلات المالية 10 في المائة من المبلغ المذكور، ما يجعل قيمة المبلغ النهائي، بعد كل هذه الخصومات، 19 دولاراً فقط.
كشف الصحافيون أيضاً أن الأشخاص الذين يلجأون إلى هذه الخدمة يتلقون دعماً من وكالات بث مباشر في الصين، تعمل مباشرة مع "تيك توك". هذه الوكالات تساعد في فتح الحسابات المغلقة أيضاً. وأشار صحافيو "بي بي سي نيوز" إلى أنها معروفة في الصين أيضاً باسم نقابات البث المباشر، وهي جزء متنامٍ من استراتيجية "تيك توك" التجارية العالمية لجذب مستخدمي البث المباشر إلى منصتها، وبالتالي زيادة أرباحها.
قالت الوكالات التي تواصل معها فريق "بي بي سي نيوز" إن "تيك توك" تدفع لها عمولة اعتماداً على مدة البث المباشر وقيمة الهدايا التي يُتبرَّع بها. التركيز على المدة يعني أن الأطفال يمضون في البث المباشر ساعات طويلة.
وقالت مروى فتافتة، من منظمة أكسس ناو للحقوق الرقمية، إن أشرطة الفيديو هذه تتعارض مع سياسة "تيك توك" نفسها التي تنص على "منع إيذاء القاصرين أو تعريضهم للأذى أو الاستغلال". أقرت فتافتة بأن من حق الأشخاص مشاركة قصصهم على الإنترنت، "لمحاولة الحصول على الدعم والتعاطف"، ولكنها رأت أن هذه الفيديوهات "مهينة".
من جهة ثانية، وجهت "تيك توك" بياناً إلى "بي بي سي نيوز" جاء فيه: "نحن قلقون للغاية من المعلومات والادعاءات التي قدمتها بي بي سي لنا، وقد اتخذنا إجراءات فورية وصارمة. هذا النوع من المحتوى غير مسموح به على منصتنا، ونحن نعمل على تعزيز سياساتنا العالمية المتعلقة بالتسول الاستغلالي".
في السياق نفسه، كان موقع إنبوت الإخباري قد سلط الضوء، في أغسطس/آب الماضي، على ظاهرة تسول اللاجئين السوريين عبر "تيك توك"، وحذّر من أن بعض الفيديوهات التي يظهر فيها أطفال في معظم الأحيان ليست إلا عمليات احتيال. وصرحت حينها مسؤولة التواصل لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، ستيفاني هازيلوود، بأن المنظمة لم تستطع التحقق من صحة البث المباشر على "تيك توك" لبعض الحسابات المشكوك فيها، ولم تعرف موقع بثها. وأضافت: "من الواضح أننا قلقون بسبب التقارير والبلاغات التي تصل عن اللاجئين، ولا سيما الأطفال، الذين أجبروا على التسول، ويشمل ذلك ما يظهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لأن أي ظهور للأطفال ضمن صور أو فيديوهات قد تعرض صحتهم وأمانهم لأي خطر يعتبر غير مقبول".
يشار إلى أن "تيك توك" أسرع منصات التواصل الاجتماعي نمواً، إذ تتجاوز تحميلاتها 3.9 مليارات على مستوى العالم، وحصلت على أكثر من 6.2 مليارات دولار أميركي من الإنفاق داخلها.