استمع إلى الملخص
- يركز الفيلم على ملحمة المهاجرين في الغرب الأميركي وصراعاتهم مع الشعوب الأصلية، حيث تتكشف الحبكة عبر خطوط سردية متعددة تشمل مذبحة في أريزونا، وبلدة جديدة في مونتانا، وصراعات عنيفة بين الشخصيات.
- يوسع "أفق" عالم الشخصيات أفقياً، ويثير صراعات قوية، مع تقديم صراعات أخرى للأجزاء القادمة، ويعرض الجزء الأول في منتصف 2024، بينما يُعرض الجزء الثاني في مهرجان فينيسيا 2024.
مَن غير كيفن كوستنر يستطيع إعادة فيلم الوسترن الكلاسيكي إلى الشاشة الكبيرة، ذاك الزاخر بقصص بطولات رعاة البقر في الغرب الأميركي المتوحش، وغزو مناطق الهنود الحمر؟ في العقود الأخيرة، أُنجزت أفلام وسترن تنقيحية وتجريبية، وحتّى مُعادية للوسترن التقليدي، غالباً عبر مسلسلات، كملحمة Yellowstone ومُكمّلاتها، التي شارك فيها كوستنر. لكنّ ملحمة المهاجرين الذين يحتلّون الغرب الأميركي، ويصطدمون بالشعوب الأصلية غالباً، ويفتقرون إلى التفاهم ووحشية الطبيعة، والعلاقة الصعبة بين الرجال والنساء الذين يتقدّمون نحو مصيرٍ جديد وغير محتمل، هذه الملحمة أصبحت نادرة سينمائياً.
كوستنر هو "الرقص مع الذئاب" (1990، إخراجاً وتمثيلاً)، و"نطاق مفتوح" (2003، إخراجاً وتمثيلاً أيضاً). لكنّ فيلمه يبدو مزيجاً من روح "غير مغفور (Unforgiven)" لكلينت إيستوود (1992)، وأجواء مسلسل Lonesome Dove. إلى ذلك، هناك إشارة واضحة إلى جون فورد في التعامل مع المساحات والآفاق، والعلاقات بين الشخصيات، واستخدام الفكاهة والطبيعة الملحمية للرحلة كلّها. ما يميّز "أفق: ملحمة أميركية ـ الفصل الأول" (2024، إخراجاً وتمثيلاً)، المعروض أولاً خارج مسابقة الدورة الـ77 (14 ـ 25 مايو/ أيار 2024) لمهرجان "كانّ"، شيء لم يكن فورد ليفكّر به أبداً، لكنّه أصبح اليوم موضوعاً مركزياً. وفقاً لكوستنر، تتكوّن الملحمة من أربعة أفلام، مدّة كلّ واحد منها ثلاث ساعات، ما يُثير تساؤلاً: أهذا إذاً مسلسل قصير؟
ربما يرغب المرء في الإجابة بالنفي. فالرحلة السمعية ـ البصرية للاقتراح سينمائية روحياً. لكنْ، بسبب المعرض الهائل للشخصيات والحبكات الفرعية التي يقدّمها، وبسبب قرار ترك القصة في حالة تشويق على طريقة "يُتبع في الحلقة المقبلة"، سيكون من الحماقة عدم الاعتراف بوجود صلة بهذا النوع الآخر. لا يحتوي "أفق" على نقاط حبكة أو خطّافات سردية تطلب من المشاهد، ساعة بعد ساعة، أنْ يرى فصلاً آخر. لكنّ رؤيته روائية ملحمية مترامية كالغرب اللامتناهي، الذي يُهيمن على المشهد.
ما يجعل "أفق" أكثر سينمائية من كونه "تلفزيونياً" أسلوبه السردي وطريقة عرضه. فالجزء الأول عُرض في الصالات بمنتصف 2024. وعلى نحو ما، يعمل الجزء الأول، أو جزء كبير منه على الأقل، بمثابة مقدّمة للشخصيات والحبكات الفرعية والعلاقات بينها، ونقاط الصراع المختلفة التي تمتدّ عبر إقليم مونتانا، حيث تجري الأحداث حالياً. لا يستعجل كوستنر في أيّ وقت، فهو يعلم أنّ قصته روائية، وأنّ لديه 12 ساعة ليرويها. إذاً، مَن سيستعجله؟
تتكشّف الحبكة على أجزاء. هناك عائلة تحاول مسح الأرض وسط أريزونا عام 1859 لبناء منزل، تتعرّض لمذبحة على أيدي سكّان أصليين. ربما يبدو المشهد صادماً في سياق الصوابية السياسية، خاصة إزاء "الرقص مع الذئاب". لكنّ كوستنر واضح بشأن ذلك: المستوطنون يغزون أراضي لا تنتمي إليهم، ومنطقيٌ أنْ يكون الاستقبال هكذا. في مونتانا، امرأة تدعى لوسي (جينا مالون)، تطلق النار على رجل وتفرّ مع ابنها، فيلاحقها ابنا الأمّ القاسية (ديل ديكي)، ويحاولان استعادة الطفل.
بعد فترة، تبدأ البلدة، التي تعطي الفيلم عنوانه، في التشكّل قرب مكان أحداث المشاهد الافتتاحية. رجال القبيلة المحلية يرفضون الاستسلام في معركتهم من أجل أراضيهم، ما يفضي إلى سلسلة عنيفة من الحرائق والقتال، تُجبر كثيرين على الفرار. تنجو من هذه الفوضى الأمّ فرانسيس (سيينا ميلر)، وابنتها ليزي (جورجيا ماكفيل)، اللتان تهربان لاحقاً. من ناحية أخرى، هناك المراهق راسِل (إتيان كيليسي)، الذي يقوم برحلته الخاصة بحثاً عن الانتقام.
كلّ هذا يحدث من دون ظهور كوستنر، الذي يدخل القصّة بشكل أكثر مباشرة بعد مرور ساعة. إنّه هايز، البطل الغامض الكلاسيكي، بماضٍ مظلم، الذي يصل إلى البلدة أخيراً. هناك، يبدأ علاقة بالشابّة الجميلة ماريغولد (آبي لي)، التي يبدو أنّها تخفي أسراراً. إضافة إلى لوسي، زوجة والتر (مايكل أنغارانو) حالياً، التي لا يزال الشقيقان يُلاحقانها.
لا ينتهي الأمر عند هذا الحدّ، إذْ يظهر جنود، كالعقيد هوتون (داني هيوستن)، والملازم جيب هاردت (سام ورثينغتون)، والرقيب ريوردان (مايكل روكر)، الذين يأتون لتوفير الأمن في البلدة. وقبيل نهاية الفيلم، تضاف شخصيات، واضحٌ أنّه سيكون لها وزنٌ أكبر في الأفلام/ الأجزاء الجديدة، كالكابتن فان وايدن (لوك ويلسون)، وزوجين بريطانيين يقعان سريعاً في مشاكل مع السكّان المحليين الجلفين، إضافة إلى عشرات الشخصيات، أو أكثر، يصعب تحديد دورها.
ما يفعله "أفق"، كما يوحي عنوانه، توسيع عالم الشخصيات في الملحمة أفقياً، وإثارة صراعات قوية بين بعضها، وتقديم صراعات أخرى بالكاد يُتعرَّف إليها بمزيد من التفصيل لاحقاً. ببطء يبني العالم الذي سيعيشون فيه، فنرافقهم إذا تابعنا القصة في أربعة أفلام، أو 12 حلقة، أو أياً كانت الطريقة التي ستوزّع بها الملحمة عالمياً، فالجزء الثاني معروضٌ أولاً خارج مسابقة الدورة الـ81 (28 أغسطس/ آب ـ السابع من سبتمبر/ أيلول 2024) لـ"مهرجان فينيسيا"، وإلى الآن، لا تواريخ محدّدة لعروضه التجارية.
مثل رواية وسترن، أو سلسلة روايات، ما يفعله كوستنر هنا بناء أو إعادة بناء عالم لم يعد يُمثَّل في السينما بهذه الطريقة. هدفه ليس القتال في نزاع حول شكل النوع أو موضوعاته. ما يراهن عليه كلاسيكيّة موسَّعة لكنّها تبقى كلاسيكية. عالمٌ له أبطاله وأشراره، لكنّه مُبتلى عامة بأشخاص يحاولون، كلٌ بطريقته الخاصة، البقاء أحياء في أراضيهم، أو في أراضٍ وصلوا إليها من دون إدراكهم أنّه سيُنظَر إليهم بعد فترة بوصفهم "غزاة".
لا تُسرد قصّة "أفق" من معرفة المستقبل، بل من منطق الحاضر، الذي يكون أحياناً وحشياً، وأحياناً أخرى لطيفاً.