استمع إلى الملخص
- **إرث الأنمي الياباني ونجاح "بلوتو"**: أدركت "نتفليكس" أهمية الإرث الياباني في نجاح الأنمي، واستندت إلى مانغا "آسترو بوي" وناوكي أوراساوا لإنتاج "بلوتو"، الذي يعالج قضايا الذكاء الاصطناعي والتعايش بين البشر والروبوتات.
- **حبكة "بلوتو" وأيديولوجية الذكاء**: يبدأ "بلوتو" بلغز جريمة قتل الروبوتات ويتطور إلى كشف غموض الحرب والدمار، مع تسليط الضوء على أيديولوجية الذكاء التي تبرر الهيمنة والاستعمار، لكنه يفتقر إلى تمثيل المرأة والشعوب غير الغربية.
"إن تاريخ علم الذكاء هو تاريخ تجريد الذكاء إلى كينونة مفردة، وتحديد موقعه داخل الدماغ، وقياسه كماً عبر إسناد رقم واحد إلى كل فرد، واستخدام هذه الأرقام لتصنيف الناس في سلسلة واحدة من الأهلية، لصالح الاستدلال إلى أن الفئات المضطهدة والمحرومة، عرقياً وطبقياً وجنسياً، هي فئات أدنى بطبيعتها، وتستحق مكانتها الراهنة". (عالم الأحياء التطوري الأميركي ستيفن جاي غولد).
أخيراً، بعد موجة عريضة فاشلة من مسلسلات الأنمي التي أصدرتها "نتفليكس" في السنوات السابقة، اقتنع القائمون على عملاق البث التدفقي بأن وصفة نجاح أي مسلسل أنمي لا تكتمل من دون الإرث الياباني الأصيل؛ الإرث الذي يتكون من المانغا وشخصيات الأنمي المُؤسّسة لهذا النوع. فكما لدى الغرب والت ديزني وشخصيته ميكي ماوس، لدى اليابان عراب المانغا أوسامو تيزوكا (1928 - 1989) مبتكر شخصية آسترو بوي؛ الأخير هو الولد الآلي الذي عاش دوره بجدية أكبر من ميكي ماوس منقذا ومُخلصا للمجتمع الياباني.
في عام 1963، بدأت مانغا "آسترو بوي" بالصدور وغزت الأسواق مباشرة، وكانت أول مانغا في التاريخ تتحول إلى مسلسل أنيمي. مانغاكا (كاتب المانغا) آخر تأثر بهذا الإرث وشق طريقاً جديداً لمعالجة قضايا عصره ومجتمعه، هو ناوكي أوراساوا (64 عاماً) صاحب مانغا مسلسل الأنمي الشهير Monster الذي صدر عام 2004، وما زال يتصدر قوائم الأكثر مشاهدة حتى يومنا هذا.
في عام 2004 وحتى عام 2009، بدأ أوراساوا بنشر مانغا تحت عنوان بلوتو وهي إعادة تفسير وصياغة لإحدى قصص مانغا "آسترو بوي" تحت عنوان "أعظم روبوت في التاريخ". حوّلت "نتفليكس" هذه المانغا إلى مسلسل أنمي بطول ثماني ساعات مقسمة على ثماني حلقات. هكذا، يصبح لدينا وصفة تضمن قبولاً من كل الأجيال، بدايةً من متابعي "آسترو بوي" مروراً بجمهور مسلسل Monster، وصولاً إلى جمهور "نتفليكس" فضلاً عن المهتمين بقصص الذكاء الاصطناعي والتعايش الهش بين البشر والروبوتات.
يبدأ "بلوتو" بلغز جريمة قتل؛ الروبوت السويسري الأسطوري مونبلان الشهير بخدمته العسكرية في الحرب الآسيوية التاسعة والثلاثين قد قُتِل بعنف. يعمل الروبوت جيسيشت محققاً في الشرطة الألمانية لفك لغز الجريمة. تكر سبحة القتل على الروبوتات السبعة الأعظم في التاريخ؛ المحقق من ضمنهم ومعه الروبوت أتوم، النسخة المطابقة لـ"آسترو بوي". يجد جيسيشت رابطاً بين هذه الجرائم وحرب آسيا الوسطى.
يتكشف غموض العرض بهدوء إلى أن نصل إلى اللحظة التي قام بها جيسيشت ورفاقه الروبوتات ومعهم مجموعة العلماء الذين صنعوهم بتنفيذ مهمة بورا لتقصي الحقائق في بلاد فارس، حول إذا ما كان تبني روبوت دمار شامل ممكناً. لم يجدوا شيئاً حينها، ولكن الهجوم قد أقره رئيس الولايات المتحدة، وبدأت حرب لم تبق حجراً على حجر في تلك البلاد، مع مرورٍ عرضي على ذاكرة الروبوتات حول بعض القتلى المدنيين.
تحمل لجنة بورا على عاتقها مهمة زرع جذور الديمقراطية في تلك البلاد ومساعدتها على التخلص من الديكتاتور داريوس الرابع عشر الذي يحكم تلك البلاد. وعندما انتهت المهمة، كان داريوس في السجن من دون تهمة والعاصمة مدمرة. تستخدم هذه المهمة المشؤومة كحجة وعذر لتبرير الحرب.
استخدم مصطلح قتل للتعبير عن تلك الجرائم الغامضة خلال العرض، من دون تقديم حجة منطقية لاستخدامه بديلاً عن مصطلح تدمير/تفكيك، فللأخيرة سياق أدق في الاستعمال حالة تبدأ من التجريب إلى البناء ثم التفكيك. على كلٍّ، الروبوت الذي يمارس عمليات القتل هو بلوتو (إله العالم السفلي في الثقافة الرومانية) قدرته الخاصة هي توليد أعاصير، وذكاؤه يكمن في محاكاة لخصائص عقل سُهد، ابن وزير وزارة العلوم الفارسية عبد الله. للأخير ظهور شرير كاريكاتوري بحواجب سميكة ونظرة حاقدة. قُتل سُهد خلال الحرب، وكان عالم نباتات يعمل على تحويل الصحراء الفارسية إلى حقل أزهار.
القانون الذي ينص على منع قتل الروبوتات للبشر في المسلسل يتناقض جذرياً مع أطروحة الكراهية، وهي أطروحة العمل الأساسية. الحل هنا هو انتهاء الكراهية، أي كراهية لا أحد يعلم. وحُصر سبب حرب الإبادة بقرار رئيس الولايات المتحدة الأميركية الشرير، مقابل رغبة عبد الله بالانتقام، وليس في التدخل الغربي في بلاد فارس والمؤسسات العميقة في الغرب وخطاب الاستشراق والاستعلاء الذي يحدد مقياس الذكاء IQ على مسطرة الرجل الغربي الأبيض.
في أكثر من مشهد، يزور جيسيشت روبوت قتل إنساناً قبل ثماني سنوات من بداية أحداث المسلسل. الروبوت مصاب بأعطال قاتلة، لكنه متروك على قيد الحياة دليلا على الخطيئة. تعامل جيسيشت معه بصفة مساعد في التحقيق تشبهاً بشخصية هانيبال ليكتر (آكل لحوم البشر)، وإشارة إلى لحظة الشذوذ في تاريخ مجتمع ما. الفارق المهم بينهما أن ليكتر إنسان وهذا رجل آلي، خطيئة البشرية هنا هي رجل آلي.
على الرغم من الخليط الفني المبهر الذي قدمه "بلوتو" من تسلسلات لونية تشبه الأحلام مع رسم ثنائي وثلاثي الأبعاد تحت إشراف طاقم كان يعمل في استديو Ghibli، مع الحفاظ على روح شخصيات مسلسل Monster، استمرارا في العمل مع الحفاظ على خصوصية كل عمل، ولم يستخدم الرسم التقليدي للأنمي، عيون وسيعة وفم غير محدد، فإنّ العمارة كانت فرصة ضائعة للعمل، فصورت سويسرا وألمانيا واليابان والدنمارك متشابهة، لكن في بلاد فارس كان للقبب الإسلامية أثرٌ فريد في العمل.
مع تصاعد الحبكة، حافظ سرد في "بلوتو" على غموضه من دون مبالغة، وتجاوز مشكلة المصادفات المبالغ فيها التي حدثت في مسلسل Monster. النهاية للقضايا الكبرى كقضية الذكاء الاصطناعي تأتي في الغالب على عجلة في جميع الأعمال. حرب نهائية ويعم السلام من بعدها، لكن اللافت أن طموح مصممي العمل الذي يستقي من طموح علماء الذكاء الاصطناعي اليوم هو منفلت من عقاله ويؤكد أن الحرب النهائية ستدور بين الذكاء الاصطناعي والجيولوجية.
بعد أن شاهدنا كيف يمكن نقل أحلام وكره الروبوتات إلى سلة المحذوفات، ومعالجة حزنها في بيانات متدفقة ونقل روحها إلى شريحة ذاكرة، وكنا متسامحين بحجة الحاجة الدرامية، نعود لنقف أمام أيديولوجية الذكاء المطروح في العمل بحد ذاته. من جهة، قدم كاتب العمل بما هو نظرة يابانيّ تذوق ألم ذاكرة انفجار القنبلة النووية على أرضه، له رؤيته الخاصة للصراع العالمي القائم اليوم (طرح رؤيته للشيوعية والنازية وآثار تلك المراحل السياسية على المجتمع في مسلسل Monster). من جهة أخرى، تقوم أيديولوجيا الذكاء على فتشية مريبة ونزعة غير مفهومة تجاه الخير، على الرغم من أن الذكاء عبر التاريخ كان مبرراً للاستعمار ويضفي شرعية على الهيمنة، وهو مطروح خارج السياق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لتشكله وحتى تقييمه.
في سياق هذا النظام الأبوي العالمي، ونزع الذكاء من سياقاته، وتحويل السؤال من "لماذا" نحن نحتاج اختراعاً ما، إلى "كيف" نصنعه، لا نجد دوراً للمرأة أو لغير الشعوب الغربية، حتى أكثر الأصوات صخباً تأييداً أو رفضاً للذكاء الاصطناعي قادمة من وادي السيلكون.