تكثر في الوسط الفني العربي وحتى الغربي ظاهرة توريث مهنة الفن، بمعنى أن كل ممثل أو مغن غالباً، سينتهج أولاده نهجه، وبالتالي هم مشاريع فنية منذ بدء حياتهم ضمن عائلاتهم إلى أن يكبروا ويصبحوا فنانين كوالِدِيهم، بغض النظر إن كانوا يمتلكون الموهبة أم لا، فبعضهم كان متسلقاً وآخرون استطاعوا إثبات ذاتهم، لتبقى الشّلَلية والواسطات متحكمة بالوسط الفني وتحديداً في سورية.
منذ التسعينيات، كانت فكرة توريث الفن في سورية قائمة وظهرت لدى العديد من الفنانين الذين صاروا فيما بعد نجوماً، وكان وجودهم في عائلة فنية، وتصديرهم على الشاشة سبباً في تحولهم إلى أبطال. كما فعلت الفنانة مها المصري مع ابنتها ديمة بياعة التي ظهرت على الشاشة بعمر صغير وهي لم تدرس التمثيل سابقاً أو مارسته، حيث لعبت ديمة عدة أدوار كان أبرزها في "الفصول الأربعة" بدور "سوسو" والتي كانت والدتها في العمل أمها مها المصري أيضاً. وحقق العمل شهرة واسعة لديمة، وقدّمها للجمهور بطريقة أصبحت فيها نجمة فيما بعد، لها أدوارها الخاصة وشخصيتها الحاضرة، خصوصاً بعدما تزوجت الفنان تيم حسن، وأصبحا لفترة ثنائياً تتكلم عنه الصحافة دوماً. وديمة رغم أدائها المتواضع في بداياتها، استطاعت تحقيق نجاح فيما بعد، وأثبتت نفسها تماماً كما فعلت يارا صبري. فيارا ابنة الفنانَيْن الكبيرَيْن سليم صبري وثناء دبسي. إذْ إنها لم تدرس التمثيل، بل اكتفت في أن تكون ابنتهما لتصبح فنانة. وكان لـ "الفصول الأربعة" أيضاً دورٌ مهمٌّ في تقديم يارا للجمهور العربي بشخصية نادية. وكانت خير من يلعب هذه الشخصية التي سبقتها وتَلتها عدة أدوار برزت فيهم بنجاح. أيضاً كان لوجود الفنان حسام تحسين بيك في الساحة الفنية فضلٌ كبير، على دخول ابنته نادين تحسين بيك هذا الوسط، لتلعب عدة أدوار بعمر صغير أولها في "أيام شامية" ثم ما لبثت أن أصبحت نجمة قادرة على الوصول للصف الأول.
ولم تتوقف هذه التجارب الوراثية في التسعينيات فقط، بل استمرت حتى اليوم، حيث عمد الفنان أيمن زيدان لتصدير ابنه حازم زيدان كممثل ومخرج أيضاً. ورغم أن حازم درس في المعهد العالي للفنون المسرحية، إلا أنه ما زال قاصراً عن اللحاق بركب والده أو حتى عَمَّيه شادي ووائل. فأداؤه إلى الآن لم يرسم ملامح نجومية أو يترك بصمة عند المشاهدين. ومن المعروف أن الدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق بحاجة لواسطة غالباً من أجل القبول فيه، حيث يُقبَل الطلاب بعد مراحل عدة، من بين مئات المتقدمين. وقد زاد في الفترة الأخيرة أيضاً قبول أبناء الفنانين، ففي دفعة 2019 مثلاً تخرَّجَ سليمان رزق وهافال حمدي وهمام رضا، وسليمان هو ابن الفنانة أمانة والي، من طليقها المخرج يوسف رزق، وقد شارك سليمان منذ طفولته بأعمال والده كـ"الخط الأحمر" و"قتل الربيع" و"ساعة الصفر" وغيرها. ولكن صقلَ سليمان ذلك بدراسته في المعهد، أما هافال حمدي فهو ابن الفنان الراحل طلحت حمدي، إلا أن هافال لم يشارك قَبلاً في المسلسلات باستثناء مسلسل "لا مزيد من الدموع"، وتخرّج هافال من المعهد ليلعب بطولة مسلسل "بورتريه" المعروض حالياً إلى جانب ترف التقي، والتي هي بدورها ابنة الفنانة صباح الجزائري والتي لم تدرس المهنة أكاديمياً بل دخلتها بالواسطة أيضاً عن طريق والدتها كما فعلت أختها المعتزلة رشا التقي، والتي حلت محلها ترف مؤخراً. وهمام رضا هو ابن الفنان أيمن رضا، وأيضاً تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية، ولعب همام مؤخراً دوراً في مسلسل "شارع شيكاغو" الذي لم ينجح فيه كفايةً، ما قد ينبئ أنه لم يمتلك موهبة والده.
أصبح الفنان، حتى لو كان نجماً وله تاريخه، يصدّر عائلته على أنهم نجوم الشاشة الجدد، وهذا ما حدث مع عابد فهد الذي قدّم للشاشة ابن أخته جورج قبيلي
ولم تعد القصة مقتصرة على الدراسة في المعهد، بل أصبح الفنان، حتى لو كان نجماً وله تاريخه، يصدّر عائلته على أنهم نجوم الشاشة الجدد، وهذا ما حدث مع عابد فهد الذي قدّم للشاشة ابن أخته جورج قبيلي الذي فتح له خاله الطريق ليقدم عدة أعمال كان آخرها "الساحر"، ولم يتوقف عابد هنا، بل قدّم للشاشة أيضاً ابنة أخته غريس قبيلي التي تفاجَأْنا بوجودها في بطولة عملين كاملين بدون مقدمات!