قبل 66 مليون سنة، ضرب كويكب ضخم شبه جزيرة يوكاتان، وهو الارتطام الذي يعتقد أنه تسبب في القضاء على الديناصورات، بحسب الدراسات العلمية الحديثة. لكن دراسة جديدة تشير إلى أن هذا الارتطام الهائل أحدث تغيرات في بيئة المنطقة، نتج عنها نشوء الغابات الاستوائية المطيرة في حوض نهر الأمازون شمال أميركا الجنوبية.
قبل أن يضرب الكويكب شبه جزيرة يوكاتان في ما يعرف الآن بالمكسيك، كانت الغابات المطيرة في أميركا الجنوبية تتكون من مساحات خضراء مختلفة تماماً عن وفرة النباتات المزهرة التي تحتوي عليها الآن.
وفق الدراسة التي نشرت يوم الجمعة الماضي في مجلة "سَينس"، وجد الباحثون أن التنوُّع النباتي في المنطقة انخفض بنسبة 45 في المائة بعد تأثير الارتطام، واستغرق 6 ملايين سنة للتعافي. وأظهرت لدغات الحشرات على الأوراق المتحجرة أن تنوع الحشرات أخذ أيضاً في الانخفاض.
استخدم فريق دولي من الباحثين مجموعة واسعة من أحافير أوراق الأشجار وحبوب اللقاح الموجودة في كولومبيا، لاستكشاف مصير النباتات الاستوائية بعد حدوث الارتطام الذي تسبب في حدث الانقراض الذي قضى على الديناصورات غير الطيرية.
وجدت الدراسة أنه خلال المرحلة الأخيرة من عصر الديناصورات (قبل 72 ــ 66 مليون سنة)، اختلفت الغابات الاستوائية المطيرة بشكل ملحوظ عن نظيراتها الحديثة. قبل نهاية العصر الطباشيري، كانت الغابات المطيرة تهيمن عليها السرخسيات والنباتات المزهرة التي تسمى كاسيات البذور، على حد سواء، وكانت الصنوبريات مكوناً سائداً، لكن اليوم تهيمن الأخيرة على المشهد الأرضي في الغابات المطيرة.
يقول المؤلف المشارك في الدراسة، كارلوس جاراميلو، الباحث في "معهد سميثسونيان للبحوث الاستوائية" في بنما، في تصريح لـ"العربي الجديد" إنّ هذا النوع من النظم البيئية ليس له نظير حي اليوم، ويعمل ــ بلا شك ــ بشكل مختلف عن الغابات المطيرة الاستوائية الحديثة. ويوضح: إذا عدت إلى اليوم السابق لحدوث الارتطام فسترى الغابة تحتوي على مظلة مفتوحة بها الكثير من السرخس والعديد من الصنوبريات والديناصورات. الغابة التي لدينا اليوم هي نتاج حدث واحد قبل 66 مليون سنة.
اختفى نحو 45 في المائة من الأنواع النباتية من المناطق الاستوائية خلال نهاية العصر الطباشيري. تشير الدراسة إلى أن السمات البيئية الأخرى، مثل أنماط التغذية للحشرات العاشبة التي تظهر في تلف الأوراق المتحجرة، تغيرت بعد نهاية العصر الطباشيري.
يقترح جاراميلو وزملاؤه أن هناك عدة أسباب وراء احتمال تسبب الكويكب في هذا التغيير الكبير، أحد أهم هذه الأسباب هو موت الديناصورات الكبيرة العاشبة التي كانت تدهس هذه النبات القصيرة بأقدامها الضخمة وتقضي عليها، وتتغذى على النباتات الأطول. بالإضافة إلى ذلك، فإن الرماد الذي استقر في السماء بعد الاصطدام ربما عمل بمثابة سماد طبيعي، مما خلق تربة غنية بالمغذيات التي كانت مفيدة لنباتات كاسيات البذور سريعة النمو أكثر من غيرها من النباتات الأخرى. كما يعتقد أن كاسيات البذور كانت أكثر تنوعاً من الناحية البيئية قبل الارتطام، مما كان سهل على بعضها التعافي مرة أخرى بعد ذلك.
يعتقد الباحثون أن فهم كيفية تشكيل هذا الحدث الرئيسي للغابات المطيرة يمكن أن يساعدنا في وضع منظور كيف تتفاعل هذه النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي مع إزالة الغابات اليوم والمدة التي يمكن أن تستغرقها للتعافي. ويشرح الباحث المشارك في الدراسة أن في بعض الأماكن التي جرت دراستها كان بإمكان الفريق البحثي ملاحظة كيف اختفت هذه الغابة التي استغرق بناؤها 66 مليون سنة في يوم واحد، وهو ما يلفت الانتباه إلى أن الأمر يستغرق وقتاً طويلاً لإعادة بناء هذه الغابات المتنوعة مرة أخرى.