شهدت درجات الحرارة في قارة أوروبا ارتفاعات كبيرة، بلغت أكثر من ضعف المتوسط العالمي لدرجات الحرارة خلال الثلاثين عاماً الماضية، وهي أعلى نسبة احترار مسجلة في أي قارة في العالم. ومع استمرار اتجاه الاحترار نحو الارتفاع، ستؤثر الحرارة الاستثنائية ونتائجها، مثل حرائق الغابات والفيضانات، وغيرها من تأثيرات وظواهر تغير المناخ، على المجتمعات والاقتصادات والنظم البيئية.
وفقاً لتقرير صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، ومرصد كوبرنيكوس لرصد الغلاف الجوي التابع للاتحاد الأوروبي، يوم الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، ارتفعت درجات الحرارة في أوروبا بشكل ملحوظ خلال الفترة من 1991 إلى 2021، بمعدل متوسط يزيد قليلاً عن 0.5 درجة مئوية لكل عقد. ونتيجة لذلك، فقدت الأنهار الجليدية في جبال الألب 30 متراً من سمك الجليد فيها، في الفترة من 1997 إلى 2021.
يسلط التقرير الضوء على نتيجة مفادها أنّ أوروبا كانت، خلال فترة الثلاثين عاما الماضية، هي القارة الأسرع في ارتفاع درجات الحرارة، ولكن مع ارتفاع درجة حرارة القارات الأخرى بسرعة، كما هو موضح في التقارير الإقليمية الأخرى للمنظمة، ووفقاً للتقرير الجديد، فإن أوروبا لا تزال تشهد تغيرات طويلة الأجل في جميع أجزاء النظام المناخي، بما في ذلك انخفاض الكتلة الجليدية وارتفاع درجة حرارة معظم أحواض المحيطات في القارة.
عام 2021، شهدت أوروبا عدداً من الظواهر المناخية وحالات الطقس المتطرفة، بما في ذلك موجات الحرارة الشديدة والفيضانات العنيفة، حيث تعزى أعلى تكلفة مالية وأكبر عدد من الوفيات خلال عام 2021 إلى أحداث الفيضانات، خاصة خلال موجة وسط أوروبا في يوليو/تموز 2021. جاء هذا على عكس الاتجاه طويل المدى لأوروبا، حيث عادة ما تكون موجات الحر هي نوع الحدث الذي يتسبب في أكبر عدد من الوفيات المبلغ عنها، وليست الفيضانات. أدت ظواهر الطقس والمناخ شديدة التأثير إلى وقوع مئات القتلى، وأثرت بشكل مباشر على أكثر من نصف مليون شخص، وتسببت في أضرار اقتصادية تجاوزت 50 مليار دولار أميركي، وفقاً للتقرير.
لكن الصورة ليست قاتمة تماماً، إذ نجح عدد من البلدان في أوروبا في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. على وجه الخصوص، انخفضت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الاتحاد الأوروبي بنسبة 31% بين عامي 1990 و2020، مع هدف خفض بنسبة 55% لعام 2030.
وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، قال المؤلف المشارك في التقرير كارلو بونتمبو، وهو مدير خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ في المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى، إن المجتمع الأوروبي عرضة لتقلبات المناخ وتغيره، لكنّ أوروبا أيضاً في طليعة الجهود الدولية للتخفيف من تغير المناخ ولتطوير حلول مبتكرة للتكيف مع المناخ الجديد الذي سيتعين على الأوروبيين التعايش معه.
وأضاف: "نظراً إلى أنّ مخاطر تأثير تغير المناخ أصبحت واضحة بشكل متزايد في الحياة اليومية، تزداد الحاجة للاستخبارات المناخية. نهدف من خلال هذا التقرير إلى سد الفجوة بين البيانات والتحليل من أجل توفير معلومات قائمة على العلم، ولكن يمكن الوصول إليها وتكون جاهزة لاتخاذ القرار عبر القطاعات والمهن".
تعد أوروبا واحدة من أكثر المناطق تقدما في التعاون العابر للحدود في مشروعات التكيف مع تغير المناخ، ولا سيما عبر أحواض الأنهار الدولية. وأوضح بونتمبو أن أوروبا تمثل صورة حية لعالم يزداد احتراراً، وتذكرنا بأنه حتى المجتمعات المعدة جيدا ليست في مأمن من تأثيرات الظواهر الجوية المتطرفة.
وشدد المؤلف المشارك في إعداد التقرير على أن وتيرة إجراءات التخفيف ينبغي أن تستمر، بهدف الحد من انبعاثات غازات الدفيئة في المنطقة، وتنبغي زيادة الطموح في هذا الشأن. ويرى أنه يمكن لأوروبا أن تلعب دوراً رئيسياً نحو تحقيق مجتمع محايد للكربون بحلول منتصف القرن للوفاء باتفاق باريس.