حذر باحثون من أنه إذا زادت درجات الحرارة العالمية بمقدار درجة مئوية واحدة، أو أكثر من المستويات الحالية، فسيتعرض مئات الملايين من الأشخاص كل عام للحرارة والرطوبة الشديدة، لدرجة أنهم لن يتمكنوا من تبريد أنفسهم بشكل طبيعي، وفقاً لدراسة جديدة أعدها فريق متعدد التخصصات.
أشارت الدراسة، التي نشرت يوم التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي في دورية PNAS، إلى أن ارتفاع درجة حرارة الكوكب بما يتجاوز 1.5 درجة مئوية، فوق مستويات ما قبل الصناعة، سيكون مدمراً لصحة الإنسان في جميع أنحاء الكوكب.
لا يستطيع البشر تحمل سوى مستويات معينة من الحرارة والرطوبة، قبل أن تبدأ أجسامهم في اختبار مشكلات صحية مرتبطة بالحرارة، مثل ضربة الشمس أو الأزمة القلبية.
منذ بداية الثورة الصناعية، عندما بدأ البشر بحرق الوقود الأحفوري في الآلات والمصانع، ارتفعت درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم بنحو درجة مئوية واحدة. وعام 2015، وقعت 196 دولة على اتفاقية باريس التي تهدف إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم، إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.
في الدراسة الجديدة، قام الباحثون بوضع نموذج لزيادات درجات الحرارة العالمية تراوح بين 1.5 درجة مئوية و4 درجات مئوية - وهو السيناريو الأسوأ حيث يبدأ الاحترار في التسارع - لتحديد مناطق الكوكب التي قد يؤدي فيها الاحترار إلى مستويات حرارة ورطوبة تتجاوز الحدود البشرية.
يقول المؤلف المشارك في الدراسة جين جين كونغ، الباحث في علوم الأرض والمناخ في جامعة بوردو في الولايات المتحدة، إن الإجهاد الحراري غير قابل للتعويض، إذ لا تستطيع آليات تنظيم درجة حرارة الجسم البشري الحفاظ على الاستقرار، لذلك ستحدث زيادة هائلة في مستوى الإجهاد الحراري مع تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
يتسارع التصاعد بشكل ملحوظ بعد زيادة درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين مقارنة بفترة ما قبل الصناعة، ليصبح الأمر أكثر سوءاً عندما ترتفع درجات الحرارة العالمية بمقدار ثلاث درجات مئوية.
يوضح كونغ، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن المناطق التي تتعرض إلى نطاق واسع من الإجهاد الحراري الخطير تكون عادة مكتظة بالسكان، وغير متطورة اقتصادياً، مثل جنوب آسيا ومنطقة الساحل وشرق الصين. مع محدودية القدرة على التكيف مع الإجهاد الحراري المتزايد، ستواجه هذه المناطق تهديدات خطيرة على صحة الإنسان نتيجة للحرارة المتزايدة التي من المتوقع أيضا أن تؤثر على الاقتصاد.
تشير نتائج الدراسة إلى أنه إذا زادت درجات الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، فإن سكان باكستان ووادي نهر السند البالغ عددهم 2.2 مليار نسمة، ومليار شخص يعيشون في شرق الصين، و800 مليون نسمة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، سيتضررون بشدة.
وسيشكل ارتفاع الرطوبة تهديدا أكبر بكثير من الأيام الحارة الجافة. وهو ما يرى المؤلف المشارك في الدراسة أنه استنتاج مهم توصل إليه الفريق البحثي، لأن معظم الأبحاث المعنية بدراسة موجات الحر واستراتيجيات التخفيف والتكيف المقترحة لا تزال تركز على درجة الحرارة فقط وتتجاهل تأثير الرطوبة. "الاستراتيجيات المفيدة في خفض درجة الحرارة قد لا تكون فعالة في تخفيف الإجهاد الحراري بسبب الرطوبة. وهذا يستدعي إعادة تقييم فعالية استراتيجيات تخفيف الحرارة لتجنب استثمار أموال طائلة في أشياء قد لا تكون مفيدة"، يقول.
يمكن أن تكون موجات الحر ذات الرطوبة العالية أكثر خطورة لأن الهواء لا يستطيع امتصاص الرطوبة الزائدة، وهو ما يحد من تبخر العرق من الأجسام البشرية والرطوبة من بعض البنية التحتية، مثل المبردات التبخرية. وقال الباحثون إن ما يثير القلق هو أن هذه المناطق تقع أيضاً في دول ذات دخل منخفض إلى متوسط، لذلك قد لا يتمكن العديد من الأشخاص المتضررين من الوصول إلى مكيف الهواء أو أي وسيلة فعالة للتخفيف من الآثار الصحية السلبية للحرارة.