على سطح إحدى بنايات وسط القاهرة، اختار المصور المصري، مصطفى عبد المعطي، أن ينشئ استوديو التصوير الخاص به. لا غرابة في وجود استوديو للتصوير في هذه المنطقة الحيوية بالطبع، فشوارع وسط القاهرة وممراتها الجانبية تمتلئ باستوديوهات التصوير الفوتوغرافي منذ زمن، غير أن استوديو فلاش، وهو الاسم الذي اختاره عبد المُعطي لمشروعه، يبدو مختلفاً. الاختلاف هنا ليس له علاقة بطبيعة المكان، بل هو متعلق برواده، فهو أول استوديو تصوير مُخصص للحيوانات في مصر.
يمكنك أن تصطحب حيوانك الأليف إلى هذا الاستوديو، لتحصل على صور فنية له بعين محترفة. استوديو فلاش لتصوير الحيوانات لا يقتصر على غرف مُجهزة بطريقة احترافية لغرض التصوير فقط، بل يشمل مساحة لعرض الصور التي التقطها المصور مصطفى عبد المعطي خلال عام كامل لمجموعة متنوعة من الحيوانات. صُممت مساحة العرض داخل هذا الاستوديو كي تحاكي بيتاً متخيلاً لـ"فلاش"، وهو كلب أليف له هيئة هادئة. تتوزع صور "فلاش" على حوائط المكان، وإلى جوارها عشرات الصور الأخرى لعائلته وأصدقائه من الحيوانات، كما تم المراعاة في عرض الصور أن تكون في مستوى رؤية صاحب البيت.
يستقطب هذا الاستوديو زواراً كثراً، أتوا إليه من أنحاء مختلفة مع حيواناتهم للاستمتاع بهذه الأجواء المُتخيلة. يمعن مصطفى عبد المعطي في تأكيد هذه الأجواء عن طريق التفاصيل الصغيرة المكملة للمشهد، فالتفاصيل جميعها هنا تخص هذه الحيوانات وحدها، من لُعب بلاستيكية على هيئة عظام، أو كتب تتحدث عن الحيوانات وفصائلها، إلى الكراسي والمناضد والأسرة وأطباق الطعام. لا مكان هنا للبشر، إذْ يكفيهم هذا العالم الصاخب والمزدحم بالسيارات أسفل البناية.
استوديو فلاش هو استوديو مؤقت أنشئ كمشروع فني ضمن برنامج العروض البصرية لمهرجان دي-كاف (مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة) والمستمر حتى نهاية هذا الشهر. يضم المهرجان عروضاً مسرحية وراقصة، وحفلات للموسيقى والغناء، كما يشمل برنامجاً للفنون البصرية يشارك فيه مجموعة كبيرة من الفنانين المصريين والأجانب.
حول هذا المشروع يصرح الفنان، مصطفى عبد المعطي، لـ"العربي الجديد" بأن شغفه وحبه للحيوانات هو الذي قاده لتنفيذ هذا المعرض، فلطالما كان شغوفاً بالحيوانات ومتعاطفاً معها. من أجل هذا يتعامل عبد المعطي مع زبائنه من الحيوانات كنجوم السينما. هو يتعمد إضفاء جانب إنساني وبراق على هذه الصور كي يدفع المشاهد إلى رؤية الحيوان بشكل مختلف. هذه الطرافة التي تنطوي عليها الصور والمشروع في شكل عام من شأنها أن تدفع المشاهد إلى التساؤل وربما التعاطف مع أصحاب الصور.
ومن أجل هذا أيضاً اختار الفنان اسم "فلاش" لهذا المشروع، وهو اسم لكلب ينتمي إلى النوع المحلي المنتشر في مصر والمنطقة العربية، أو ما يطلق عليه كلب الشارع. اختار عبد المعطي هذا النوع من الكلاب تحديداً لأنه يشعر كما يقول بأنها الأكثر تعرضاً للأذى بين جميع الحيوانات الأخرى، فالحيوانات التي تعيش في الشارع حياتها مرهونة دائماً بما يقدمه لها الناس من طعام، كما أنها معرضة لخطر التعذيب والقتل بلا رحمة في كثير من الأحيان. إن التعامل مع الكلاب المحلية أو كلاب الشوارع يمثل نموذجاً صارخاً لتناقضات المجتمع وأمراضه، كما يقول عبد المعطي، ففي الوقت الذي ينفر فيه البعض من كلاب الشارع إلى حد الإقدام على إيذائها، نراهم يتسابقون على اقتناء أنواع أخرى من الكلاب المستوردة، بل والمبالغة في تدليلها والاعتناء بها. من أجل هذا تعمد عبد المعطي أن يكون بطل معرضه واحداً من هذه الكلاب، كما بالغ في تدليله عن قصد بهدف تقديم صورة مغايرة لكلب الشارع، فهو كلب تمكن رعايته وتدليله أيضاً كبقية الأنواع الأخرى.
عاد مهرجان دي-كاف بعد 4 سنوات من الغياب إلى منطقة القاهرة، وتم الاحتفال هذا العام بمرور 10 سنوات على انطلاقه. والمهرجان هو الوحيد من نوعه في مصر لعدة أشكال من الفنون المعاصرة، يستمر على مدار ثلاثة أسابيع من كل عام، في عدة أماكن وسط القاهرة، ويتضمن عروضاً فنية أدائية ومسرحية وبصرية وموسيقية وسينمائية وعروض ديجيتال. يشارك في المهرجان مجموعة من الفنانين المصريين والعرب والعالميين من جميع أنحاء العالم يجتمعون في قلب القاهرة. يتضمن برنامج دي-كاف هذا العام مجموعة من التجارب الفنية الاستثنائية، فيضم برنامج الفنون الأدائية عروضاً مسرحية ورقصاً معاصراً مع مزجها بعناصر فنية أخرى، ويستضيف المهرجان لأول مرة عرضاً فنياً من بوركينا فاسو. ولا تقتصر فعاليات المهرجان على الفنون الأدائية بل شملت برنامج الميديا الحديثة والفنون البصرية الذي يعود بقوة خلال أفلام الواقع الافتراضي، ولأول مرة تم تقديم معرض فنون بصرية للوحات بالذكاء الاصطناعي.