عثر باحثون في جامعات أميركية على أقدم دليل على استئناس الطيور قبل قرابة 18 ألف عام في غينيا الجديدة حيث وجد العلماء أدلة على استئناس الإنسان طائر الكاسواري الضخم "الشبنم".
ووفق الدراسة التي نشرت في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، في مجلة PNAS، فإن سكان تلك المنطقة في العصور السحيقة، جمعوا بيض طائر الكاسواري، وقاموا بتربية فراخه حتى مرحلة البلوغ. وبناء على نتائج الدراسة، فإن هذا السلوك يسبق استئناس الدجاج بآلاف السنين، ويعد هذا أول مؤشر للإدارة البشرية لتربية أصناف الطيور في أي مكان في العالم، قبل التدجين المبكر للدجاج والأوز.
وفقاً للباحثين، لا يزال يجري تداول فراخ الكاسواري كسلعة في غينيا الجديدة. تقول المؤلفة الرئيسية في الدراسة كريستينا دوغلاس، وهي الأستاذة المساعدة في علم الإنسان والدراسات الأفريقية في جامعة ولاية بنسلفانيا الأميركية، إن هذه الدراسة، تشير إلى أن الصيادين وجامعي الثمار كانت لديهم معرفة متطورة للغاية ببيئتهم، وظلوا يديرون بيئتهم منذ آلاف السنين.
وتضيف دوغلاس لـ"العربي الجديد": "في هذه الحالة، كان الناس في أواخر العصر الجليدي يديرون تجمعات طائر الكاسواري -وهو طائر كبير ومن المحتمل أن يكون خطيراً- في الغابات المطيرة. يميل الكثير من الناس إلى الاعتقاد بأن المزارعين والرعاة فقط هم من يديرون بيئتهم ولديهم معرفة متطورة بها، لكن الصيادين وجامعي الثمار كانت أيضاً لديهم معرفة مهمة جدا بالبيئة ينقلونها من جيل إلى آخر".
وعن سبب اختيار تلك المجتمعات القديمة طيور الشبنم، وليس نوعا آخر من الطيور لاستئناسها، توضح أن "طائر الشبنم يعتبر من بين أكبر الفقاريات التي سكنت مرتفعات غينيا الجديدة، ويمثل مورداً مهما من حيث اللحوم والريش والعظام. كما أنه ذو قيمة عالية في المنطقة في التجارة والتبادل والاحتفالات، وكذلك لأغراض المعيشة".
استخدم الباحثون تقنية التصوير عالي الدقة لسطح قشر البيض المكتشف، لتحديد أنماط تآكل قشر البيض التي تنتج من امتصاص جنين الطائر للعناصر المغذية للقشرة من أجل نموها. سمحت درجة هذه التغييرات للباحثين بتحديد ما إذا كان قد تم جمع البويضات في المرحلة المبكرة أو المتوسطة أو المتأخرة من تطور الأجنة باستخدام نموذج إحصائي. يعتمد تحديد عمر الأجنة بناء على السمات ثلاثية الأبعاد داخل القشرة. لتطوير الطريقة اللازمة لتحديد عمر نمو البيض عند كسر القشرة، استخدم الباحثون 126 بيضة نعام كنموذج تطبيقي على مدار 42 يوماً. رسم الباحثون صورا ثلاثية الأبعاد عالية الدقة لعينات القشرة. من خلال فحص داخل هذه البيوض، قام الباحثون بعمل تقييم إحصائي لشكل البيض خلال مراحل الحضانة. ونظرا لأنه تم جمع معظم البيض في المرحلة المتأخرة من التطور، فقد تمكن الفريق من مناقشة إمكانية قيام السكان بجمع بيض طائر الكاسواري من أجل التفقيس وتربية فراخه.
وتشير دوغلاس: "بالنسبة لي، فإن النتيجة الأكثر إثارة في الدراسة هي أن الصيادين منذ 18000 عام كانوا يديرون بالفعل بيئتهم والحيوانات الموجودة فيها بطرق كنا لا نربطها إلا بفترات زمنية لاحقة. من المثير بشكل خاص أن الناس في دراستنا كانوا يدجنون نوعا لا يمكن لأحد أن يتخيل تدجينه -الكاسواري- لأنه طائر خطير يزن أصغر أفراده 20 كيلوغراما".
تشدد الباحثة على أن هناك حاجة إلى توسيع الدراسة، لتشمل المزيد من المواقع؛ حتى يتمكنوا من الحصول على مزيد من المعلومات حول ما إذا كان هذا النمط من الحصاد المتأخر للبيض ثابتا عبر منطقة أوسع. كما ترغب دوغلاس أيضاً في دراسة ما إذا كان نمط الحصاد الذي لاحظوه في غينيا الجديدة له أي آثار على الغابة الاستوائية، نظرا لأن طيور الكاسواري هي بمثابة مشتتات رئيسية للبذور وذات أهمية كبيرة في النظام البيئي للمنطقة.