على عكس المؤسسات الإعلامية الغربية التي خصّصت تغطيتها في الأسبوع الأول من شهر إبريل/نيسان الحالي لمجزرة بوتشا في أوكرانيا، بدا الواقع على وسائل التواصل الاجتماعي مختلفاً. فصور الجثث التي التقطتها كاميرات المصورين بعد الدخول إلى المنطقة، والدعوات الواضحة لمحاسبة روسيا على جرائمها في المدينة، لم تلقَ صداها على موقع فيسبوك.
إذ بحسب تحليل للبيانات أجراه معهد الحوار الاستراتيجي (مركز أبحاث مقرّه لندن)، فإن المنشورات، التي شكّكت بالصور على اعتبارها أدلة على جرائم حرب روسية في بوتشا، كانت أكثر من تلك التي صدّقت الصور بشكل مباشر.
وحلل الباحثون في المعهد أكثر 10 منشورات مشاركة (Most Shared Posts) على "فيسبوك"، تناولت المجزرة، في 20 دولة مختلفة. وتبيّن أن مستخدمين على "فيسبوك" شاركوا 208 آلاف مرة منشورات تشكك بوقوع أعمال عنف في الأسبوع الاول من إبريل، مقابل 172 ألف منشور صدّق الرواية الأوكرانية حول المجزرة. وكانت نسبة مشاركة المنشورات المشككة بأعمال عنف 3 مرات أعلى من تلك التي تبنّت كل ما نشر عن جرائم حرب في المدينة.
أغلب المنشورات المشككة بالمجزرة كانت من داخل دول الاتحاد الأوروبي، وبشكل أساسي إيطاليا والنمسا وجمهورية التشيك. وكان المنشور الأكثر مشاركة في النمسا هو رابط لمقال من موقع باللغة الألمانية مؤيد لروسيا، هو Anti-Spiegel، الذي ينتقد بشكل أساسي التغطية الإخبارية لصحيفة دير شبيغل الألمانية الشهيرة. ووفقاً للمقال إياه، فإن جثث المدنيين في بوتشا تعود فعلياً لأوكرانيين قتلهم الجيش الأوكراني عقاباً على دعمهم الجيش الروسي. التقرير نفسه كان ثالث أكثر رابط مشاركة في ألمانيا حول مجزرة بوتشا.
ونقلت صحيفة ذا غارديان البريطانية عن المحللة في معهد الحوار الاستراتيجي فرانسيسكا فيسر قولها "تظهر النتائج أن الروايات الموالية للكرملين والمعلومات المضللة تنبع من جهات مختلفة ومتنوعة، وليس من وسائل الإعلام الحكومية الروسية فقط". وقالت فيسر إن جهود الصحافيين المستقلين والمدققين في الحقائق (Fact Checkers) يبدو أنها لم تكن كافية، لمنع انتشار الروايات الكاذبة "التي تمكنّت من جذب انتباه جمهور عريض". ولا تخفي الباحثة قلقها من نوعية المنشورات التي شاركها مستخدمون أوروبيون على "فيسبوك"، تحديداً التشكيك بصحة صور الضحايا، "كما أنّ التدوينات الكاذبة الصادرة عن منصات ومدونين معروفين مقلقة جداً".
وفي ردّ على التقرير الصادر عن المعهد، نقلت الصحيفة البريطانية عن متحدث باسم "فيسبوك" قوله إن التحليل "يعتمد على عينة صغيرة ويشوه حجم ونطاق جهودنا لمكافحة المعلومات الخاطئة المتعلقة بالحرب في أوكرانيا... لدينا أقوى نظام للتحقق من صحة الادعاءات الكاذبة مقارنة بالمنصات الأخرى، وقد رصد وأوقف زملاؤنا في قسم التحقق من صحة الأخبار مزاعم مختلفة حول الفظائع في بوتشا بلغات عدة، بما في ذلك الأوكرانية والروسية والإنكليزية".
وكانت صور مجزرة بوتشا قد انتشرت على مواقع التواصل ووسائل الإعلام الغربية بعد دخول مصور وكالة فرانس برس المدينة السبت 2 إبريل، إثر إعلان القوات الأوكرانية تحرير المدينة، لتتدفق بعدها صور الوكالات الأخرى. لكن سرعان ما نفى الروس التهم الموجهة إليهم مؤكدين أن قواتهم لم تستهدف المدنيين، وأن الصور المنشورة مزيفة.
ومع إصرار روسيا على روايتها عن تزييف الصور، نشرت وكالة أسوشييتد برس تقريراً سلطت فيه الضوء على التكتيك الروسي المعتمد منذ سنوات، والقاضي بتغيير الوقائع ونشر الأخبار المضللة حيال عملياتها العسكرية للتهرب من مسؤوليتها عن قتل المدنيين. وهو ما حصل على سبيل المثال في سورية، حيث كان أي نشر لفيديو أو صور لضحايا مجزرة نفذتها القوات الروسية يقابل بنفي تام واتهام بفبركة الفيديوهات والصور.
وتعتمد روسيا بشكل أساسي في نشر تكذيبها الوقائع على وسائل إعلامها الحكومية. فعلى سبيل المثال، جند الكرملين كلاً القنوات المحلية وبرامجها بعد يومين من انتشار صور بوتشا للترويج لروايتين متناقضتين: الأولى أن الصورة نفسها مزيفة، والثانية أن الأوكرانيين مسؤولون عن إراقة دماء المدنيين.
وفي إطار التشكيك بصحة الصور، عرضت قناة روسيا 1 الإخبارية تقريراً حاولت من خلاله إقناع المشاهدين بأن الضحايا يمثلون دور الموتى وأنهم نهضوا من أماكنهم بعد انتهاء التصوير.