صدر هذا العام على منصة "ديزني +"، فيلم "الأسود مَلِكاً" Black is king. فيلم موسيقي من إخراج وإنتاج وتأليف المغنية الأميركية بيونسيه. ويمكن اعتباره مرافقاً بصرياً لألبومها الصادر العام الماضي بمناسبة فيلم "الأسد الملك".
يقدم لنا العمل رحلة بصرية في أفريقيا، نقصد بذلك اللقطات الطويلة والشعرية للمناظر الطبيعية و"السكان الأصليين"، تظهر فيها بيونسيه أشبه بمبشر أو مسافر ضاع وعاد إلى أصوله، تتلو الحكمة شعراً وتغنّيها وترتلها مع الموسيقى. كأننا أمام أسطورة معاصرة للعودة إلى أفريقيا، نتعرف فيها إلى حكاية أمير يبحث عن مملكته التي طرد منها، ثم عودته إليها مع ملكته، إذ تبشرهما روح الغابة بمولودهما الجديد.
لن نغوص في تفاصيل الفيلم، لكن يمكن القول إنه احتفاء بالثقافة السوداء وجذورها في أفريقيا، ومحاولة لإعادة تقديم "السواد" بوصفه أصل العالم، أو شكلاً آخر مختلفاً عن الثقافة المهيمنة. يعتمد الفيلم على جماليات الثقافة الأصلية التي تظهر عبر الألوان والأزياء والمناظر الطبيعية، كما نتلمسها أيضاً في الحكاية نفسها وعناصرها، كاستعادة طاقة الحيوانات والعلاقة العضوية مع الطبيعة، ودعوة إلى توحيد أفريقيا وتاريخها. هي حكاية استعادة الميراث المسلوب وتحويله إلى جزء من التراث العالمي، لا بوصفه جزءاً أدنى أو ذا تاريخ استعماري، بل بوصفه مكوناً حيوياً من "الآن".
لكن من هم أولئك الذين يحتفون بتاريخ أفريقيا؟ نتحدث هنا بصيغة قد تحوي سوء النيّة، لكن لا يمكن إنكار الاختلافات بين "سود أميركا" و"سكان أفريقيا". الفيلم يوظف بوضوح واحدة من أشهر الشخصيات "الأميركية"، وعودتها إلى "جذورها"، بكل امتيازاتها التي نالتها في أميركا، لا أفريقيا. ولا نحاول هنا أن ننكر صراع السود في أميركا، وما يتعرضون له، لكن تقديم أفريقيا بهذا الشكل يجعلها أقرب لمتخيل أميركي عن القارة السوداء، بوصفها القارة البكر التي تبدو وكأنها جنة ضائعة، في تجاهل تام لمشاكلها الحالية، تلك التي يختبرها سكانها فقط، لا من ينتمون إليها لوناً واسماً.
اتُهم الفيلم بأنه محاولة لاسترداد أو استيعاب أميركا لأفريقيا ما قبل الاستعمار، بل شُبهت جماليات الفيلم بأنها توظيف لتأثير هوليوود وفيلم "البانثر الأسود" لإعادة إنتاج أفريقيا. ورأى البعض الآخر أنه شكل من أشكال الرأسمالية السوداء، التي تتجلى في المشهد الأول من الفيلم، حيث بيونسيه تركب حصاناً وترتدي جلود الحيوانات. وما أثار اللغط هو أن اللقطة مأخوذة من فيلم "توكي-بوكي"، الذي يعود تاريخ إنتاجه إلى عام 1973، من إخراج السينغالي Djibril Diop Mam، الذي لم يظهر في الفيلم أي شكر أو ذكر له.
أكثر من ذلك، يرى البعض أن الفيلم عنصري ببساطة. أفريقيا ليست مجرد سكان يغنون وينشدون ويرتدون جلود الحيوانات، هذه الأزياء الطقوسيّة لا تمثل إلا فئة محددة وقليلة، بل ولا تستخدم في الحياة اليومية. وما قام به الفيلم ببساطة هو تعميم الصورة النمطيّة لكن بصورة "أجمل". بصورة أدق، تقديم أفريقيا نظيفة تناسب النفوذ الحالي، أفريقيا نتاج المتخيل الأبيض الذي لا ينتمي لسكان المنطقة.
نحن أمام مشكلة ثقافية شديدة الدقة، فالهوية السوداء في الولايات المتحدة ليست فقط عودة للجذور، بل أيضاً هي أسلوب للمقاومة والاختلاف عن الشكل السائد، ومحاولة ضم أفريقيا إلى هذا الصراع ضمن المتخيل الجمالي السابق يحرم سكان أفريقيا أنفسهم من أصواتهم ومن حقهم بالتمثيل، هم يرون نسخاً لهم لا تشبههم، بل ولا تخوض صراعهم ذاته، بل بشكل أو آخر تنصاع إلى المتخيل الرأسمالي عن العالم بأسره، ذاك الذي يهمل الواقع وتطوره ويحافظ على متخيله عن العالم.