بدأ عدد من المدارس في لبنان، تخصيص مساحات واسعة للتوعية من مضار بعض المحتويات على منصات التواصل الاجتماعي، ولا سيّما "تيك توك"، التي تعدّ المنصة الأكثر شيوعاً بين الشباب والمراهقين. توسّعت ظاهرة ألعاب التحدي خلال فترة تفشي فيروس كورونا، خصوصاً على منصة تيك توك، التي تجذب المراهقين، وضمنهم طلّاب المدارس؛ إذ تتحوّل المنصة وما يدور عليها من ترندات إلى مواضيع جاذبة لهم. هذا كله، حمل بعض إدارات المدارس على توجيه رسائل للأهالي بفيديوهات التحديات الأكثر رواجاً لتنبيههم منها، وحملهم على توعية أولادهم من مضارها قبل أن يقعوا ضحيّتها.
تقول كارول، وهي معلمة في إحدى المدارس الخاصة في بيروت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن المدرسة تخصص فترات للتوعية بمواضيع كثيرة، ضمنها مواقع التواصل الاجتماعي التي تعدّ من البيئات الصعبة للأولاد والمراهقين. وهي كأستاذة وأمّ لولدين، تحرص على مواكبة هذه المنصات ومشاهدة المقاطع المنتشرة، لإثارتها خلال الصف، حتى لو لم تكن ضمن المادة المُدرَّسة، وذلك للتنبيه منها. كما أن الإدارة أحياناً تبعث رسائل للأهل للإضاءة على التحديات، وما يمكن أن تلحقه من أذى في حال خوضها، خصوصاً أن كل الأهالي ليسوا مطلعين ومواكبين لعالم مواقع التواصل الاجتماعي.
وتلفت كارول إلى أن منصات التواصل باتت ركناً أساسياً في الحياة اليومية لا يمكن التغاضي عنه، خصوصاً أن هذا الجيل ليس كالأجيال السابقة، فقد أصبح قادراً على الاتصال بالإنترنت في كل الأوقات، كون الكثير من التلاميذ يملكون هواتف نقالة، وأجهزة "آي باد"، ويعرفون كيفية استخدامها. من هنا تتأتى أهمية توعية الأهل والمدارس للأولاد على أن ليس كل المحتويات محبّذاً الدخول إليها أو التأثر بها".
في هذا السياق، تقول المعالجة النفسية، شارلوت الخليل، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن هناك منصات للتواصل الاجتماعي، لا سيما "تيك توك"، يفترض أن تكون مخصصة لمن يزيد عمرهم عن 15 سنة. ومع ذلك، نرى أن هناك أطفالاً لا يتجاوز عمرهم 13 سنة، يملكون حسابات خاصة ويتفاعلون مع الفيديوهات المنتشرة بكثرة. وتشير الخليل إلى أن "هناك تحديات ومخاطر كثيرة لاستخدام هذه المنصات، خصوصاً بعمر صغير، باعتبار أن مستخدميها غير مجهزين أو مؤهلين لاستعمالها. من هنا، تأتي أهمية التوعية من جانب الأهل والمدارس للأولاد، بأن ليس كل المحتويات مناسبة لهم، سواء عمرياً أو بيئياً أو اجتماعياً أو ثقافياً، ومن شأنها كذلك أن تخلق صراعاً داخلياً عند الأطفال، عدا عن أن بعضها أيضاً لا يناسب نموّهم واستعدادهم الذهني".
وتلفت الخليل إلى أن هناك محتويات ممكن أن تخلق نوعاً من ضغط الأقران، ففي حال كانت تحمل تحديات، قد تشعرهم بأن عليهم خوضها وإلا سيعتبرون أنفسهم ضعفاء وغير قادرين على فعلها من دون أن يدركوا مضارها، ما يشكل خطراً كبيراً عليهم، مشيرة إلى أن الطفل يعتقد أنها لعبة للتسلية، ويدفع أصدقاءه إلى مشاهدتها وتجربتها، ويتباهى أمامهم بأنه بارع في تأديتها مثل غيره، ويصبح كذلك أكثر تعلقاً بها عندما يجد أنها تلقى تفاعلاً من قبل المتابعين.
تضيف الخليل: "لقد أثبتت الدراسات، أن الدماغ عند تلقي المنشور والتفاعل عليه، سواء بالإعجاب، أو على هيئة تعليقات، يفرز هرمون الدوبامين، وهو نفسه الذي يفرز عند الربح مثلاً، أو تعاطي مواد ممنوعة، أو حصول أحداث أساسية في حياة الإنسان، ما يخلق نوعاً من الإدمان، والحاجة بالتالي للحصول على التفاعل، الأمر الذي يجعله أكثر حاجة إليها، معرضاً نفسه للخطر والأذى".
تبعاً لذلك، تقول الخليل إن الوقاية مهمة، بدءاً من المنزل والمدرسة، إذ على الأهل أن يحرصوا على توعية أولادهم، ومتابعة صفحاتهم ومنشوراتهم، والأشخاص الذين يتابعونهم، أو الصفحات ومقاطع الفيديو التي يتفاعلون معها. ومن المهم أيضاً أن يحدثوا أبناءهم عن تجارب مرّ بها أولاد من جيلهم. وتضيف: "كذلك، للمدارس دور مهم في التوعية والتنسيق مع الأهل، ويجب أن تخصص بشكل منتظم حصصاً للتوعية، وممارسة أنشطة معينة تساعد على ضبط التصرفات، وتساعد الأولاد على فهم هذه المواضيع، وفوائدها، ومخاطرها، وكيفية حماية أنفسهم، والوقت الذي يجب أن يقضوه على الإنترنت، والمواد التي يمكن مشاركة محتواها، خصوصاً أن تقارير كثيرة أفادت بأن السلوك الإدماني ممكن أن يكون عبر وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية".
بدوره، يقول الإعلامي وخبير وسائل التواصل الاجتماعي، أمين أبو يحيى، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن وسائل التواصل والأطفال والمراهقين، سيكونون قضية السنوات المقبلة، لأن ما يُعرَف بـ"الجيل زد" (الذين ولدوا بين منتصف التسعينيات ومنتصف العقد الأول من الألفية الثانية)، يعيشون في عمق الابتكارات التقنية، ونشأوا على التكنولوجيا والألعاب، ولم يعد الأهالي قادرين على السيطرة عليهم. يرى أبو يحيى أن التوعية مهمة جداً، وهي ملقاة بالدرجة الأولى على الأهل، لأن الأولاد في النهاية، وإن استخدموا هذه المنصات وعرفوا كيفية تشغيلها، يبقون أطفالاً. وهناك من يجب أن يوجّههم ويعرّفهم مخاطر بعض المحتويات، كما أن هناك دوراً توعوياً يجب أن تلعبه المدارس والمؤسسات التربوية والجمعيات التي تعنى بالأطفال، والأفضل أيضاً أن تكون هناك برامج تلفزيونية توعوية.