مضت ثماني سنوات على ذكرى الانقلاب العسكري، ضد الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي، في الثالث من يوليو/تموز 2013، شهدت فيها اكتمال سيطرة الأجهزة الأمنية على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وكذلك الإنترنت. فبينما تتقاطع عدد من القوانين المصرية في الكثير من نصوصها مع تنظيم الإعلام والحقوق الرقمية، مثل قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، وقانون حماية البيانات الشخصية رقم 121 لسنة 2020، وقانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018، إلا أن أحكام الطوارئ وقانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 يجعل السلطة الأولى والعليا في يد الأجهزة الأمنية.
حجب مواقع وتضييق على الحريات الإعلامية
ساهم التوسع الكبير وتوغل السلطات الأمنية في إحكام السيطرة على وسائل الإعلام والإنترنت في مصر في تعطيل استخدام النصوص الدستورية التي تقضي بحرية الفرد في الحصول على المعلومات وحقوق الفكر والتعبير، مقابل زيادة ممارسة الرقابة على الإعلام والتضييق على الإعلام الرقمي. واستمرت السلطات في ممارسة الحجب والرقابة على الإنترنت على نطاق واسع، حتى وصلت المواقع المحجوبة إلى 628 رابطًا في مصر على الأقل، منها 596 موقعًا و32 رابطًا بديلًا استخدمته المواقع المحجوبة للوصول إلى جمهورها. لكن البداية الحقيقية للحجب كانت مع حجب "العربي الجديد" في ديسمبر/كانون الأول 2015 الذي لا يزال محجوبًا في مصر إلى اليوم.
وتضم قائمة المواقع المحجوبة 116 موقعًا صحافيًّا وإعلاميًّا، و349 موقعًا يُقدِّم خدمات تجاوز حجب المواقع (Proxy وVPN) و15 موقعًا يتناول قضايا حقوق الإنسان، و11 موقعًا ثقافيًّا، و17 موقعًا يُقدِّم أدوات للتواصل والدردشة، و27 موقعاً للمعارضة السياسية، وثماني مدونات ومواقع استضافة مدونات، و12 موقعًا لمشاركة الوسائط المتعددة، بالإضافة إلى عدد آخر من المواقع المتنوعة.
كان البرلمان المصري قد أصدر القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والذي تُعطي المادة السابعة منه سلطة حجب مواقع الويب لجهات التحقيق بعد أخذ موافقة من المحكمة، بالإضافة إلى إعطاء جهات التحري والضبط (جهاز الشرطة) سلطة إخطار الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بحجب مؤقت للمواقع في حالة الاستعجال، لوجود خطر حال أو ضرر وشيك الوقوع من ارتكاب جريمة، وتستخدم هذه المادة ألفاظاً فضفاضة عديدة على إثرها يمكن حجب المواقع، مثل: "الأمن القومي أو تعرّض أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر"، ثم أصدر البرلمان القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام، والذي أعطى للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (الجهة المنوط بها تنظيم قطاع الإعلام في مصر) سلطة حجب مواقع الويب لأسباب عدة، منها "نشر أو بث أخبار كاذبة، أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، أو يدعو إلى العنصرية أو التعصب، أو يتضمن طعنًا في أعراض الأفراد أو سبًا أو قذفًا لهم، أو امتهانا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية". ولا يقتصر تطبيق نص المادة على الوسائل الإعلامية فقط، إذ يُمكن تطبيقها على كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف متابع أو أكثر.
يشار إلى أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المتغافل عن حجب 682 موقعًا في مصر على الأقل، منها 116 موقعًا صحافيًّا وإعلاميًّا، أنشئ بموجب قانون رقم 92 لسنة 2016 بإصدار قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام الذي يقوم بدور الرقيب على الصحافة وحرية التعبير، ويؤدي دور شرطة الأخلاق، إلى جانب دور الجهة الأمنية التي تراجع المحتويات الصحافية والإعلامية وتقوم بغلق وحظر ومنع الصحافة والإعلام.
الوصاية على الإنترنت والإعلام
ترسانة من التشريعات صممها النظام المصري بعناية وعمق على مدار ثماني سنوات، تصب في مجملها في القبضة الأمنية، وصفتها "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" (منظمة مجتمع مدني مصرية) بـ"تشريعات الظلام"، في دراسة رصدية بأهم القوانين المقيدة للحريات الصحافية والإعلامية والرقمية من عام 2013 وحتى عام 2020.
وذكرت الشبكة نماذج من تلك القوانين المقيدة للحريات التي تضم 25 قانونًا "كبل حقوق وحريات المصريين"، ومن بينها قانون رقم 92 لسنة 2016 بإصدار قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام الذي وصفته الشبكة بـ"قانون سيئ السمعة، فضلًا عن قانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام الذي قالت عنه الشبكة إنه "احتوى على قائمة من الممنوعات ولائحة من الجزاءات اعتبرها المراقبون تشييعا للصحافة إلى مثواها الأخير"، بالإضافة إلى قوانين هيئات الصحافة والإعلام "178 و179 لسنة 2018" التي قالت عنها الشبكة، إنها "تتضافر مع قانون تنظيم الصحافة والإعلام سيئ السمعة، لإنشاء المزيد من الهيئات التي تشكل رقابة أمنية على الإصدارات الصحافية، ورقيّة كانت أو إلكترونية"، مع لائحة الجزاءات لسنة 2019 التي "غلبت عليها منهجية تهدف إلى التضييق على حرية الرأي والتعبير وخنق المجال الإعلامي، وفتحت الباب نحو غلق المساحات الإعلامية أمام المعارضين والمخالفين لسياسات الحكومة المصرية".
مصر في ذيل مؤشرات الحريات الإعلامية والرقمية
ساهمت هذه القبضة الأمنية المحكمة على الإعلام التقليدي والإعلام الرقمي في تدهور حالة حرية الإعلام والإنترنت في مصر؛ إذ حصلت مصر على 26 نقطة فقط من إجمالي 100 نقطة، وفقًا لمؤشر "فريدوم هاوس" عن حرية الإنترنت 2020. ووصف المؤشر مصر بأنها دولة لا تملك "إنترنت حرا". ويبني التصنيف مؤشراته من خلال قياس الحريات المدنية بنسبة 60%، والحريات السياسية بنسبة 40%.
كما نجحت في الحفاظ على تدني مرتبتها المتأخرة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، حسب تقرير "منظمة مراسلون بلا حدود" لعام 2021، فبقيت في المركز 166 الذي يقيّم الوضع الإعلامي في 180 بلدًا، انطلاقا من منهجية تُقيم مدى تعددية وسائل الإعلام واستقلاليتها وبيئة عمل الصحافيين ومستويات الرقابة الذاتية، فضلا عما يحيط بعملية إنتاج الأخبار من آليات داعمة، مثل الإطار القانوني ومستوى الشفافية وجودة البنية التحتية.
وبين النطاقات الخمسة لمكانة مصر في المؤشر تستمر مصر في المساحة السوداء، حيث إن حالة الإعلام تنتقل من سيئ إلى أسوأ وعلى مدار سنوات، فيما تصنّفها المنظمة كواحدة من أكبر سجون الصحافيين في العالم كله. وبلغ عدد الصحافيين والإعلاميين في السجون المصرية 71 حتى نهاية مايو/أيار الماضي، حسب توثيق "المرصد العربي لحرية الإعلام".