تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيليّ ملاحقة الصحافيّين الفلسطينيين والتضييق عليهم، عبر مجموعةٍ من السياسات الممنهجة، أبرزها عمليات الاعتقال. منذ مطلع العام الحالي، استمرّ الاحتلال في اعتقال الصحافيّين والناشطين، ونفّذ ضدّهم العديد من الاعتداءات التي تسبّبت بوقوع إصابات في صفوفهم، خصوصاً مع تصاعد المواجهة الراهنة التي بدأت في إبريل/ نيسان الماضي.
قال نادي الأسير الفلسطينيّ في بيان بمناسبة اليوم العالميّ لحرية الصحافة، والذي يُصادف اليوم الثلاثاء الموافق الثالث من مايو/ أيار من كل عام، إنّ سلطات الاحتلال تواصل اعتقال 15 صحافيّاً في سجونها، من بينهم الصحافيّة بشرى الطويل المعتقلة إداريّاً، وتفرض عليهم ظروفاً قاسيةً، كما الأسرى والأسيرات كافة في سجون الاحتلال.
تهدف سلطات الاحتلال عبر عمليّات اعتقال الصحافيين إلى تقويض دورهم في كشف وفضح جرائم الاحتلال وتقييد حرّيّة الرأي والتعبير، إذ لعب الصحافيّ الفلسطينيّ وما يزال دوراً نضاليّاً خاصّاً، نتيجة لكثافة العنف الذي يواجهه خلال عمله، ومواجهته المستمرة لسياسات الاحتلال منذ عقود، سواء كان ذلك عبر الملاحقة أو التهديد أو الاعتقال.
صعّد الاحتلال من ملاحقة الصحافيّين والناشطين وكل من يعمل على فضح جرائمه وانتهاكاته بالاعتقال وتوجيه تهم تندرج ضمن ما يسميه بـ"التحريض"، إذ عمل على استغلال هذا المفهوم الفضفاض بتوسيع دائرة الاستهداف، خاصة مع تطور الأدوات التي تساعد الصحافيين على فضح انتهاكات الاحتلال، ولا سيّما مواقع التواصل الاجتماعيّ.
منذ أواخر عام 2015، الذي تزامن مع اندلاع "الهبة الشعبيّة"، لجأ الاحتلال إلى اعتقال المئات من المواطنين تحت بند يُسمّى "التحريض على مواقع التواصل الاجتماعيّ". طاولت هذه الاعتقالات صحافيّين، وطلبة، وأكاديميّين، وناشطين، كما تعرّضت شركات بث وإذاعات ومقرات فضائيات خلال الأعوام القليلة الماضية إلى الإغلاق من قبل الاحتلال بأوامر عسكرية. ترافق ذلك مع عمليّات تخريب ومصادرة، أدّت إلى إغلاق بعض وسائل الإعلام وفقدان مجموعةٍ كبيرةٍ من الصحافيّين لعملهم.
ولفت نادي الأسير الفلسطيني إلى أنّ واقع الاحتلال فرض على مدار العقود الماضية على الصحافيّ الفلسطينيّ الانخراط بالنضال بكافة أشكاله وأدواته كحقٍّ مشروع له في تقرير المصير ومقاومة الاحتلال، ولم يعد يقتصر نضاله عبر عمله الصحافيّ.
يوجد اليوم عددٌ من الصحافيين الموقوفين في سجون الاحتلال، بعدما صدرت بحقّهم أحكامٌ قضائيةٌ طويلة الأمد، من بينهم: الأسير محمود عيسى المحكوم بالسّجن ثلاث مؤبدات و46 عاماً، والأسير باسم خندقجي المحكوم بالسّجن المؤبّد ثلاث مرات، والأسير أحمد الصيفي المحكوم بالسّجن لمدة 17 عاماً، والأسير منذر مفلح المحكوم بالسّجن لمدة 30 عاماً، والأسير هيثم جابر المحكوم بالسّجن لمدة 28 عاماً.
وعلى الرغم من حبسهم، فإنّ الاحتلال يستمرّ في التضييق على الصحافيين المسجونين ومصادرة انتاجهم المعرفيّ والأدبيّ، وحتّى عزلهم في الحبس الانفرادي.
في السياق نفسه، تشكّل جريمة الاعتقال الإداريّ أبرز السياسات الممنهجة التي تستهدف الصحافيين، إذ تواصل اعتقال ثلاثة صحافيّين إداريّاً، وهم: نضال أبو عكر، وبشرى الطويل، وعمر أبو الرب.
وجدّد نادي الأسير الفلسطيني مطالبته المؤسسات الحقوقيّة الدولية، بالتدخّل جدّيّاً لوضع حد لانتهاكات الاحتلال المتواصلة بحقّ الصحافيين وضمان حقّهم في ممارسة حرّية الرأي والتعبير. وسلّط الضوء على قضية الصحافيّة بشرى الطويل (29 عاماً) من رام الله، التي واجهت عمليات الاعتقال المتكرّرة منذ العام 2011. آنذاك حُكم عليها بالسّجن لمدة 16 شهراً، وأُفرج عنها بعد عدّة أشهر في صفقة وفاء الأحرار، ثمّ أعاد الاحتلال اعتقالها في العام 2014، وأعاد تفعيل الحكم السابق بحقّها. من يومها، توالت عمليّات اعتقالها إداريّاً، وكان آخرها في 21 آذار/ مارس الماضي، وهي تقبع اليوم في سجن "الدامون" إلى جانب رفيقاتها الأسيرات.
ومن الجدير بالذكر أنّ والدها المعتقل جمال الطويل، الذي أمضى ما مجموعه 17 عاماً في سجون الاحتلال، أضرب عن الطعام قرابة الشهر خلال العام الماضي مطالباً بالإفراج عن ابنته. استجابت سلطة الاحتلال في النهاية وأطلقت سراحها لفترةٍ وجيزة، قبل أن تعتقلها مجدّداً، مع الاستمرار باعتقال والدها.
وأكّد نادي الأسير الفلسطيني في بيانه أنّ يوم 3 مايو هو تذكير للحكومات بضرورة احترام التزامها بحريّة الصحافة، وكما أنّه يوم للتأمّل بين الإعلاميّين حول قضايا حريّة الصحافة وأخلاقيات المهنة.