أقرت لجنة برلمانية إيرانية مختصة الخطوط العامة لمشروع لتنظيم الفضاء الافتراضي والنشاط على شبكة الإنترنت. ويؤكد النشطاء والمراقبون أنّ الهدف من ورائه تقييد الإنترنت والوصول إلى شبكات التواصل الاجتماعي العالمية في إيران.
وأفادت وكالة "إيسنا" الإيرانية بأن اللجنة المشتركة البرلمانية المعنية ببحث مشروع "حماية حقوق مستخدمي الفضاء الافتراضي"، أقرته اليوم الثلاثاء، بعد موافقة 18 عضواً ومعارضة شخص واحد.
غير أن النائب، جلال رشيدي كوجي، الذي عارض الخطة، كشف عن مساعٍ يبذلها برلمانيون لإلغاء موافقة اللجنة المعنية على المشروع، وإعادته إلى جلسة عامة للبرلمان لمناقشته، مشيراً إلى جمع تواقيع 55 نائباً، والعدد مرشح للارتفاع للمطالبة بإخراج الخطة من اللجنة المشتركة وبحثها في البرلمان.
وأكد كوجي خلال جلسة اللجنة المشتركة، وفق وكالة "إيسنا"، أنه تلقى اتصالات و"تهديداً" لدفعه إلى الموافقة على المشروع، متسائلاً: "لا أحد يعارض تنظيم الفضاء الافتراضي، لكن السؤال هو: هل هذه الخطة لأجل تنظيم هذا الفضاء؟ المواطنون لديهم وجهة نظر مختلفة، وأنا أقف إلى جانبهم".
وأبدى كوجي استغرابه الإعلان "فجأة" عن جلسة للجنة المشتركة لمناقشة المشروع في خضمّ بحث البرلمان خطة الموازنة العامة.
لكنّ رئيس اللجنة المشتركة لدراسة مشروع "حماية حقوق مستخدمي الفضاء الافتراضي"، النائب رضا تقي بور أنوري، رفض تصريحات زميله كوجي، قائلاً إن "الجلسة لم تكن مفاجئة، وأُبلغ عنها قبل يومين"، معرباً عن أسفه لما يثار ضد المشروع.
وأشار أنوري إلى أن اللجنة ستناقش تفاصيل المشروع في جلسة لاحقاً، وسيجري الإبلاغ بشأن هذه الجلسات.
وخلال يوليو/تموز الماضي، أحال البرلمان الإيراني المشروع على لجنة مشتركة داخلية تشكلت من أعضاء بعدة لجان تخصصية بعد موافقة 121 برلمانياً، وذلك وفقاً للمادة الـ85 من الدستور الإيراني، وسط معارضة 74 نائباً وامتناع 9 عن التصويت، من 204 مشرعين حضروا الجلسة، من أصل 290، هو عدد نواب البرلمان الإيراني، وفقاً لوكالة "خانه ملت" البرلمانية.
ووفق المادة الدستورية، يمكن البرلمان الإيراني إقرار بعض القوانين في "حالات ضرورية" في لجانه الداخلية، من دون مناقشته خلال جلسة عامة للبرلمان، وإخضاعه للتصويت العام لجميع النواب.
وفي حال موافقة اللجنة النهائية على المشروع بعد إقرار خطوطها العامة، سيُحال على مجلس صيانة الدستور للتصديق عليه، وبعد ذلك سيدخل القانون حيز التنفيذ بشكل تجريبي.
طبيعة المشروع
تتكون مسوَّدة مشروع القانون البرلماني من 20 مادة، حسب نسختها الأولى المسربة إلى الإعلام، لكن هناك أنباء عن إجراء تعديلات عليها. ويربط المشروع في مادته الثانية استمرار عمل التطبيقات الاجتماعية الداخلية والأجنبية بالتزام قوانين البلاد وموافقة السلطات المعنية، مانحاً مهلة 4 أشهر لهذه المنصات قبل إغلاقها نهائياً، مؤكداً أن نشاط هذه الشبكات في إيران سيصبح غير قانوني إن لم تحصل على موافقة مسبقة، مكلفاً وزارة الاتصالات إغلاقها.
وعلى أساس البند الـ17 من المشروع، ستُخفض سرعة هذه التطبيقات بشكل حاد جداً، بحيث لا يمكن استخدامها وفتحها حتى من خلال برامج فك التشفير الذي أصبح الإيرانيون يحتمون به للدخول إلى شبكات تواصل سبق أن قامت السلطات بحظرها.
كذلك تنص مادته الـ16 على فرض عقوبة السجن والغرامة المالية على كل من يوفر خدمات وبرامج مثل برامج فكّ التشفير للوصول إلى شبكات التواصل الاجتماعي المحظورة.
إلى ذلك، ينص المشروع على فرض عقوبة على المتخلفين عن تنفيذ حظر التطبيقات التي تشير إليها المادة الثانية، تراوح بين فصلهم من الوظائف الحكومية وسجنهم من 6 أشهر إلى عامين.
معارضة كبيرة
يواجه المشروع البرلماني معارضة داخلية شديدة، مع وصفه من قبل المعارضين بأنه ليس لأجل حماية حقوق مستخدمي الفضاء الافتراضي، بل ينتهك حقوقهم ويضيعها.
ويثير المشروع مخاوف لدى ناشطي العالم الافتراضي والمجتمع المدني الإيراني وسياسيين وصحافيين، من تقييد حرية الإنترنت والوصول إلى التطبيقات الأجنبية، وسط انتقاداتهم الحادة، خاصة أن بعض التطبيقات الاجتماعية مثل "إنستغرام" تحولت إلى ساحة للعمل، ومئات الآلاف من الإيرانيين سيفقدون أعمالهم التجارية الافتراضية بعد إغلاق هذه المنصات.
وفي تغريدة على "تويتر"، وصف المحلل السياسي الإيراني البارز، عباس عبدي، إقرار الخطوط العامة للمشروع في اللجنة البرلمانية بأنه "انقلاب"، مذكراً بأن اليوم يصادف الذكرى السنوية لانقلاب البهلوي الأول رضا خان عام 1921 على النظام القجري آنذاك، وتساءل عمّا سيُكتَب في هذه الذكرى بعد إقرار المشروع.
وفي تغريدة أخرى، أشار عبدي إلى إقالة حاكم مدينة رفسنجان، جنوبيّ إيران، علي أكبر بورمحمدي، بعد تهديده مراسلاً على خلفية الانتشار الواسع لمقطع فيديو صوّر الحادث، قائلاً بعد ترحيبه بعزله إن سبب هذا العزل هو الفضاء الافتراضي و"إغلاق وإضعاف هذا الفضاء سيحرم الحكومة نعمة رقابة كبيرة".
في الأثناء، أعلن رئيس تحرير صحيفة "رسالت" المحافظة، مسعود بيرهادي، معارضته للمشروع، قائلاً إن "الموكَّلين (النواب) لا يحق لهم العمل عكس ما يريده الموكِّلون"، ومضيفاً أن "لا يحق لكم فرض ما لا يريده الشارع عليه وإن كان ذلك خلافاً لما ترونه مصلحة".
وعلّق نائب وزير الاتصالات السابق، سجاد بنابي، على إقرار المشروع في تغريدة بالقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وهي عبارة تستخدم للتعزية، مرفقاً التغريدة بوسم مرتبط بالموضوع.
إلى ذلك، راجت أخيراً مخاوف بين الإيرانيين على شبكات التواصل من إقرار صامت للمشروع، لذلك، أطلقوا حملة إلكترونية خلال الفترة الأخيرة ضد الخطوة المحتملة التي تحققت اليوم، لكن الحملة لم يكن لها مفعول، ولم تؤثر بقرار أعضاء اللجنة المعنية التي أقرت مشروع "حماية حقوق مستخدمي الفضاء الافتراضي".
زادت خلال السنوات الأخيرة انتقادات التيار المحافظ من عدم وجود رقابة على شبكات التواصل الاجتماعي في البلاد، مع دعوة المتشددين إلى إغلاق منصة "إنستغرام".
وسبق أن فرضت إيران حظراً على بعض شبكات التواصل الاجتماعي، مثل "تويتر" و"تيليغرام" و"فيسبوك" وغيرها. لكن الحظر هذه المرة يجري بموجب القانون الذي يحدد عقوبات ضد كل من يخالف تنفيذه ويرتكب مخالفة.
إبطاء سرعة الإنترنت
بموازاة الجدل في إيران بين الموافقين على مشروع "حماية حقوق مستخدمي الفضاء الافتراضي" والمعارضين له، شهدت البلاد خلال الآونة الأخيرة "تبطيئاً تدريجياً" لسرعة الإنترنت، وخللاً متقطعاً لمنصات التواصل الاجتماعي، ما أثار اعتراضات على هذه الشبكات، ودفع البعض إلى القناعة بأنّ المشروع قد بدأ يُنفَّذ قبل إقراره رسمياً.
غير أن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي بهادري جهرمي، أرجع، اليوم الثلاثاء، بطء سرعة الإنترنت والخلل فيه إلى "ذروة كورونا" في إيران في موجته السادسة و"زيادة الاستهلاك" للإنترنت.
إلى ذلك أيضاً، عزا نائب شؤون البريد والاتصالات وتقنية المعلومات في منظمة تنظيم الاتصالات الإذاعية، مجيد حقي، اليوم الثلاثاء، "السبب الرئيسي" إلى عدم تطوير شبكة المشغلات بما يتناسب وزيادة الاستهلاك.
وفي آخر استطلاع للرأي أجراه مركز "إيسبا"، نشرت نتائجه خلال يوليو/تموز الماضي، يظهر أن تطبيق "واتساب" هو الأكثر شعبية بين الإيرانيين، إذ إن 71.4 من الإيرانيين الذين أعمارهم فوق 18 عاماً يستخدمون هذا التطبيق، فيما احتلت منصة "إنستغرام" المرتبة الثانية بـ53.1 في المئة، و"تيليغرام" المرتبة الثالثة بـ40.4 في المائة. كذلك إنّ 8.6 في المئة و5.1 في المئة من الإيرانيين فوق 18 عاماً، يستخدمون فقط التطبيقين الداخليين "روبيكا" و"سروش" على التوالي.