"البنات يبقين بناتٍ": أُحجية عواطف وغياب حبكة سينمائية

27 سبتمبر 2024
"البنات يبقين بناتٍ": نزاعُ عاطفة أمْ حماية أمّ لابنتها؟ (الملف الصحافي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعقيدات العلاقات العاطفية: الفيلم "البنات يبقين بنات" يستعرض تعقيدات العلاقات العاطفية والجنسية في مجتمع محافظ من خلال قصة ثلاثية بين أم وابنتها وحبيب، مركزًا على مشاعر المراهقة ميرا وعلاقتها بالطالب الجديد سِري.

- التوترات والغموض: يعتمد الفيلم على نظرات أبطاله المبهمة واللقطات الطويلة الثابتة، مما يضفي غموضًا على مشاعر الشخصيات وتقلّباتها، ويثير تساؤلات حول دوافع الأم تجاه الشاب سِري.

- التحديات الثقافية: يواجه الفيلم تحديات في تقديم مشاهد جنسية صريحة ويعكس تأثير الإنتاج المشترك مع الغرب على الأزياء واللغة، مما يثير تساؤلات حول مدى تأثير هذه التغييرات على مضمون الفيلم.

في هذا الفيلم الهنديّ، الذي ليس هنديّاً تماماً، محاولة غوصٍ في تفتّح مشاعر ورغبات مُراهِقة، واستكشاف تعقيدات علاقات عاطفية وجنسية في مجتمع محافظ. يُستنتج في النهاية أنّ البنات هنّ البنات. لكن، في أيّ شيء تحديداً: أفي التضامن النسويّ بين أمّ وابنتها؟ أمْ في التنافس الخفيّ بينهما؟ أمْ في كونهما معاً ضحية الرجل وألاعيبه؟

في 120 دقيقة، يحوم "البنات يبقين بنات" (2014)، للهندية شوتشي تلاتي، عاطفياً، في أمكنة محدودة، مُصوّراً غموض الكائن وارتباك مشاعره وتشوّشها، عبر علاقة ثلاثية بين أمّ وابنة وحبيب.

غموضٌ يُراد منه تحقيق إثارة وتشويق في فيلمٍ لا حبكة متصاعدة فيه، أو أحداثاً تتجاوز إطار العلاقة الثلاثية. فإذا كان تعلّق ميرا (16 عاماً) بسِري (18 عاماً) جليٌّ، أقلّه من قِبَلها، فإنّ مُبهماً أحاط بعلاقة الأمّ بالشاب نفسه، كما صلته هو بالاثنتين. ميرا (بريتي بانيغراهي) تعيش حياة طالبة نموذجية في مدرسة داخلية صارمة، خصوصاً بالنخبة، في منطقة همالايا الجبلية، شماليّ الهند. مع اقتراب موعد الامتحانات، تعود والدتها أنيلا (داني كسرتي) للبقاء معها، دعماً ورعايةً. لكنّ لقاء ميرا بالطالب الجديد سِري (كساو كيرون) يُثير مشاكل في العلاقة بين المرأتين، اللتين تجد كلّ منهما نفسها في مواجهة رغباتها الخاصة.

هكذا يُعرّف ملخص الفيلم العلاقة بينهما. لكنّ السيناريو يتجنّب توضيح رغبات الأم، وماهية ارتباطها بالشاب. غموض وُفِّق الفيلم به، وله أثر في تخفيف ضجر ناتج من تكرار حدثٍ، وضعف حوار. فعلاقة كهذه تبقى مرتبكة وغير محدّدة المعالم بالنسبة إلى الثلاثي الذي حلّ هنا مكان الثلاثي المشهور في السينما، أي الزوج والزوجة والعشيق. هناك محاولات تستّر من الأطراف كلّها، إمّا لخجلٍ من مشاعر في غير مكانها (الأمّ)، وإما لكتمان حبّ (الابنة) للحفاظ على صورتها الجديّة في المدرسة، ولتسمح لها أمّها باستضافة حبيبها في البيت، وإما لانجرار الشاب إلى لعبة، يبدو أنّه يتقنها، وتتيح له الاستفادة من حنان أمّ وحبّ ابنة.

سِري، ابن عائلة دبلوماسية، اعتاد نمط حياة مستقلّة، بعيداً عن والديه المتنقّلين دائماً، من دون أنْ يعني هذا تقديره لعيشٍ يغيب فيه الجو الأسري المحبّب. لا شيء واضحاً. مجرّد تخمينات تؤكّدها أحياناً تصرّفات غريبة لأنيلا معه، تثير استغراب ميرا واستنكارها، أو تبريراً صريحاً ومنفعياً من قِبله لتصرّفاته عن ضرورة إيلاء الأمّ اهتماماً، لتسمح لهما باللقاء، من دون تحديده ماهية هذا الاهتمام وحدوده. هذا في أجواء اجتماعية، تلعب فيها المظاهر والتقيد بالعرف والمراقبة دوراً مزعجاً.

 

 

باعتماده نظرات أبطاله المبهمة، واللقطات الطويلة الثابتة، لعب الفيلم طويلاً على أُحجية العواطف وتقلّبات المشاعر. فهل الأم مُعجبة بالشاب حقاً، وترغب في الاقتراب منه، أمْ أنّها تحاول حماية ابنتها من صحوة جنسية، ومنعها من انجرار إلى علاقة عاطفية ستؤثّر في دراستها؟ الأمّ، التي أدّت داني كسرتي دورها بدقّة متناهية، نجحت بإعطاء هذا الإحساس بالغموض، ربما تُبرّر لنفسها انجذابها إليه بأنّها لا تأخذه من ابنتها، طالما أنّ الابنة تُنكر العلاقة. الأب، المقيم في دلهي ويزورهما بين وقت وآخر، لا يهتمّ الفيلم به كثيراً. حتى الكاميرا لا تقترب منه حقاً. كأنّ علاقته بعائلته قائمة على التمويل وإعطاء إرشادات، وعومل كأنّه ضيف. ومع أنّ ابتعاد الأمّ عنه كان لفترة قصيرة، فالمبرّر الدرامي لاقترابها من الشاب لم يكن جليّ الغرض.

هذا عادي في فيلم فرنسي، يُقدّم اقتراحاً صريحاً وممكناً بعلاقة عابرة. لكنْ، في فيلم هندي، يبدو غريباً، ولا سيما مع ملاطفة الأمّ للشاب. لعب الفيلم على هذا الالتباس، كأنّه لم يجرؤ على تقديم علاقة كهذه تُثير شعوراً بعدم الارتياح، فوضع كلّ الجرأة في الأفعال الجنسية للمُراهِقة، مع نفسها ومع الشاب.

يصعب الحكم في فيلمٍ هندي على مدى عادية إظهار الجنس الموحي. بمعنى أنّ الصورة تتوقّف، في لقطات مُقرّبة ومؤطّرة على الشخصيتين، عند تعابير الوجه، وحركات صريحة شديدة الدلالة. كشف الحوار المباشر بين الشابين كيفية ممارسة العلاقة الجنسية على أصولها، بما يتجاوز الإيحاءات. القبلة، مُثيرةُ تعليقات في أفلام بوليوود لتجنّبها سابقاً ولندرتها حالياً (أفلامٌ عدّة تشتهر بسبب وجود قبلة، وفي هذا دليل على أنّها فعل غير متوقّع)، تحضر في فيلم سينما المؤلّف هذا (كتابة المخرجة)، والإنتاج المشترك مع الغرب. تحضر وترافقها ممارسات المُراهِقة من دون مواربة في تجديد حسّي. كما تُصبغ صفات على الأم وابنتها غير مُقنعة تماماً، ولا سيما في زمن الأحداث، أوائل تسعينيات القرن الـ20.

الأزياء أيضاً لم تكن مقنعة. فالأم لا ترتدي الساري، كميرا التي ترتدي، خارج الزيّ المدرسي المحتشم، ملابس عصرية (تنورة قصيرة مثلاً)، إذْ يندر رؤية فتاة بلباس يُبرز ساقيها في دلهي، بعد ثلاثة عقود على زمن الفيلم، فكيف إذاً في بلدة صغيرة آنذاك؟ الإصرار على إظهار المرأتين بأفكار سابقة لعصرهما، وبملابس عصرية جداً، وحديثهما باللغة الإنكليزية دائماً، كل هذا بدا مُفتعلاً وغير متماشٍ، لا مع الواقع ولا مع السينما الهندية المعتادة. فهل يتماشى مع إنتاج مشترك، يطلب تغييرات كهذه؟ ما مدى تأثير ذلك في مضمون فيلمٍ وأسلوب صنعه؟ هناك فضول لمعرفة ذلك، في سينما هندية تميل اليوم كثيراً إلى الإنتاج المشترك مع الغرب، لتحقيق سينما فنية خارج إطار بوليوود. فهل يحدث هذا على حساب المحتوى؟

المساهمون