اعتمدت لجنةٌ مشكّلةٌ بقرار مجلس الوزراء المصري رقم 2276 لسنة 2022، قواعد التصويرالجديدة في الأماكن العامة. ولعل أبرز هذه القواعد إتاحة التصوير من دون تصريح للعامة، بينما جرى تقييده للصحافيين. كذلك استثنيت المباني الحكومية والأمنية من هذه القواعد بضرورة حصول الجميع على تصاريح، وطالبت اللجنة بصدور قانون ينظم هذه المسألة.
وأعرب صحافيون في مصر عن استهجانهم لهذه القرارات، إذ سمحت للهواة من المصريين والأجانب باستخدام الكاميرات للتصوير، فيما استثنت المصورين الصحافيين والسينمائيين، واشترطت حصولهم على تراخيص مسبقة، ينظمها قانون الإعلام.
تنشيط للسياحة
رأى عضو مجلس سابق في نقابة الصحافيين أن هناك تحسناً في ما يتعلق بمسألة التصوير لأغراض الترويج السياحي بعد سلسلة حوادث أضرت بالسياحة، وأما التصوير لأغراض صحافية، فهو "متاح منذ سنوات، ولكن بقيود وفقاً لقانون تنظيم الإعلام ولائحته التنفيذية الصادرة".
القواعد الجديدة لإتاحة التصوير الشخصي في الأماكن العامة للمصريين والمقيمين الأجانب والسياح، بحسب بيان صادر عن مجلس الوزراء قبل أيام، تتيح التصوير الشخصي بجميع آلات التصوير التقليدي أو الرقمي وكاميرات الفيديو مجاناً ومن دون الحاجة إلى أي تصاريح مسبقة، ومن دون استخدام المعدات التي تتطلب الحصول على تصريح مسبق.
وشدد القرار على ضرورة الالتزام التام بعدم تصوير أو نشر أي صور أو مشاهد قد تضر بالبلاد، وعدم تصوير الأطفال، مع عدم تصوير المواطنين من دون موافقتهم الخطية.
وجاءت هذه القرارات بعد سلسلة تضييقات على سياح ومواطنين، كانوا يصورون في الشارع. ولعلّ أشهرها ما حصل مع مدون أميركي شهير يتابعه الملايين على يوتيوب، هو ويل سنبتشنر الذي يجول حول العالم متذوقاً ومتحدثاً عن مطابخ كل دولة يقصدها. وقال سنبتشنر إنه عند وصوله إلى مصر استقبله رجال الشرطة بالتوجس والريبة عندما شاهدوا عبر جهاز أشعة "إكس" أنّ حقيبته تحتوي على معدات تصوير (كاميرات وعدسات ووحدات إضاءة وميكروفونات)، واحتجزوه مدة طويلة في المطار، وصادروا معداته. وقال في الفيديو الخاص الذي أعده عن رحلته إن "مصر البلد الأسوأ لصنّاع الأفلام".
تقييد الصحافة
يقع المصورون الصحافيون في دائرة الاستثناء من التصوير العام بقواعد خاصة حددتها اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الصحافة والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018، بأنه "لا يجوز إجراء أي تسجيل أو تصوير أو لقاءات في الأماكن العامة بهدف عرضها على الوسيلة الإعلامية إلا بعد استخراج التصريح اللازم لذلك من المجلس الأعلى للإعلام ويحدد المجلس ضوابط وإجراءات وشروط منح التصريح ومدته".
كذلك نصت اللائحة على "أنه لا يجوز تقديم خدمة نقل المحتوى مسجلاً أو مباشراً من داخل مصر إلى وسيلة إعلامية أو موقع إلكتروني يعمل من خارج الجمهورية إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من المجلس الأعلى ووفقاً للقواعد والشروط التي يضعها، وأنه في جميع الأحوال لا يجوز تقديم الخدمة إلا داخل المناطق الإعلامية المعتمدة من المجلس الأعلى للإعلام".
وتنص المادة الـ 12 من القانون الـ 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام على أن للصحافي أو الإعلامي في سبيل تأدية عمله الحق فى حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة، وإجراء اللقاءات مع المواطنين، والتصوير في الأماكن العامة غير المحظور تصويرها، وذلك "بعد الحصول على التصاريح اللازمة".
ودفعت العبارات المقيدة لحرية التصوير شعبة المصورين في نقابة الصحافيين إلى إصدار بيان تنديد باللائحة في ذلك الوقت، باعتبار أن البطاقة الصحافية التي تثبت هوية الصحافي، هي تصريح مسبق ودائم.
لم تتخذ النقابة موقفاً مناسباً ضد القيود المفروضة، سواء في الماضي أو الحاضر، برأي صحافيين، فصدر القانون، واستمرت ملاحقات الشرطة للمصورين في الشوارع، ولجأ هؤلاء إلى حيل تقليدية للتصوير، تفادياً لتلك الملاحقات، لم تفلح في معظم الأحيان، ودُفع بهؤلاء المغامرين إلى السجن.
انتقادات المصورين
قال مصور شاب اختار لنفسه اسماً مستعاراً هو مجدي، إن هذه القواعد وما سبقها من تضييق على عمله، لم تمنعه أو تمنع زملاءه في العمل من التصوير،، فاتبعوا خطة "اجري يا مجدي"، وهو تعبير شائع في مصر عن التوافق على الهروب بين مجموعة، مستخدمين اسم مجدي حتى لا يعرف أحد اسم أحد في مجموعة الهاربين.
ويشرح أنه يقوم بالتصوير بينما يقف زميل له بالقرب قائماً بدور مراقب للطريق لتحذيره من قدوم الشرطة.
لكن الشرطة لا تأتي من بعيد، كما يقول مجدي، بل ينبعث أفرادها السريون فجأة من جوار المرء، وكأنما انشقت الأرض عنهم وقد كانوا مختبئين فيها "لا تعرف أين كانوا وكيف ظهروا فجأة" بحسب تعبيره.
في بداية التضييق على الصحافة صيف 2013 الملتهب، بدأت أرض مصر تضيق على المصورين، وخاصة منطقة وسط القاهرة التي كانت مجالاً مختاراً ومفضلاً للصحافيين والمصورين للتسجيل مع الجمهور.
تزحزح المصورون إلى مناطق قريبة، مثل الدقي، حتى لاحظت أجهزة الأمن ظهور معالم المنطقة المعروفة في مقاطع مصورة على مواقع إخبارية معارضة، فبدأت بملاحقة المصورين هناك. وكتب المصور حمدي مختار الزعيم (معتقل حالياً) على صفحته على فيسبوك: "الدقي انضربت يا رجال"، في إشارة تحذيرية إلى زملائه للبحث عن مكان بديل.
مجدي نقل لـ"العربي الجديد" بعضاً من نقاشات مصورين على مجموعات مغلقة على فيسبوك حول القرار الجديد، ركزت في معظمها على السخرية من القواعد الجديدة، وتبادل المصورون النصائح بضرورة إخفاء بطاقة الهوية الصحافية عند التصوير.
وفي إحدى المجموعات على فيسبوك، أبدى صحافيون دهشة من موقف السلطة تجاه التصوير الصحافي بالشارع، ولا سيما أن القواعد الجديدة تتيح التصوير في كل الأماكن عدا تلك التي تقع في دوائر اهتمام ومتابعة الصحافيين مثل المباني الحكومية.