عمدت صحيفة جزائرية تصدُر باللغة الفرنسية إلى تعديل صورة لمرور موكب جنازة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وقامت بحذف منارة المسجد الأعظم، ما خلّف استياءً لدى القراء وتفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حول ما وُصف بـ"سلوك غير مهني"، فيما أشار آخرون إلى أنه أسلوب معتمد في الصحف.
ونشرت صحيفة "الوطن" صورة غلاف تظهر لحظة مرور المدرعة التي تحمل جثمان الرئيس السابق في الطريق إلى المقبرة، على مستوى مسجد الجزائر الأعظم، غير أنها أقدمت على إدخال تعديلات على الصورة، حذفت بموجبها المنارة الكبيرة للمسجد التي تظهر في الواقع خلف عمارة سكنية. وزعمت الصحيفة، بحسب مصادر من هيئة التحرير، أنها قامت بذلك لأجل إتاحة المكان لكتابة العنوان الرئيسي للغلاف.
وقال عضو جمعية المصورين الصحافيين في الجزائر جعفر سعادة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "منارة المسجد أصل ثابت في المشهد عند التصوير من كل الزوايا الممكنة للتصوير في تلك المنطقة، ولا يمكن لأي مصور تجنّبها، وإذا أخذ المصور صورة فيجب أن تظهر المنارة خلف العمارة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إخفاؤها، وكل الصور المنشورة في لحظة مرور الموكب الجنائزي من نقطة التصوير نفسها تظهر فيها المنارة".
وعبّر مدونون عن استيائهم مما اعتبروه سلوكًا غير مهني قامت به إدارة تحرير الصحيفة، ووصفوه بـ"التزوير المفضوح"، بسبب خلفيات أيديولوجية تقدمية تحرك توجهات الصحيفة التي ناهضت، في تقارير صحافية سابقة، مشروع بناء المسجد الأعظم، واعتبرت ذلك جزءاً من الفساد في عهد الرئيس بوتفليقة.
ووصف الباحث بلال كوردي الفعلة بأنها "حقد أعمى". فيما كتب الشاعر عبد العالي مزغيش "الفوطوشوب يعكس لامهنية الوطن، انظروا إلى احترافية ومهنية جريدة الوطن الناطقة بالفرنسية!! حذف جامع الجزائر الأعظم يدل على لامهنية الصحيفة التي تلاعبت بالصورة، عيب".
واعتبر الإعلامي مروان لوناس أن مسح المئذنة من الصورة الأصلية عمل "لا مبرر فنياً ولا تقنياً له. إنه تعبير فقط عن عقدة نفسية مستعصية". وعلق الصحافي أبو طالب شبوب على القصة، ووصفها بعملية فوتوشوب رديئة لحذف صورة صومعة مسجد الجزائر، واعتبر أن "جريدة الوطن تريد إرسال رسالة مفادها أن بوتفليقة انتهى للأبد ولا أثر له بعد الآن، لذا حذفوا أي أثر للمسجد، باعتباره الجزء الظاهر الباقي من إرث بوتفليقة. لكن هذه مراهقة إعلامية، تقدر توصّل نفس الرسالة بدون التورط في حذف صورة الصومعة. لا فرق بين سلوك جريدة الوطن اليوم وسلوك أتفه صفحة ذبابية. انحطاط حقيقي".
لكنّ معلقين آخرين وجدوا مبررات فنية للصحيفة دفعتها إلى إخفاء المنارة. واعتبر ريان ملال مخلوف أن الصحيفة لجأت إلى تقطيع الصورة بهدف إفراغ مساحة السماء لتظهر الكتابة بوضوح، وقال "الأمر ليس تلاعبا، بل مجرد تفريغ للإطار السماوي الأزرق لكي يظهر العنوان بشكل جيد، والممارسة معروفة في عوالم الصحافة والإشهار والإنفوغرافيا، وهي تحدث في كل الصحف بشكل عادي".
لكنّ الصحيفة اضطرت، بعد ساعات من تزايد الاستياء الشعبي من حذف المنارة، إلى إعادة نشر غلافها على موقعها الإلكتروني، يظهر الصورة الأصلية من دون تعديل، تظهر فيه المنارة.
ونشرت الصحيفة اعتذارًا عما وصفته بـ"الخطأ في معاملة تقنية مؤسفة على مستوى القسم الفني للصحيفة، جعلت مئذنة المسجد الكبير تختفي من الصورة في الصفحة الأولى من نسخة اليوم". وأضافت "نعتذر لقرائنا ونؤكد لهم أن الحادثة الفنية بحتة لا علاقة لها بأي حسابات أيديولوجية، كما هو الحال بالنسبة للدوائر المعروفة بعدائها لصحيفة الوطن".
هذا، وهددت السلطات الجزائرية بملاحقة قضائية ضد صحيفة "الوطن". وعبرت وزارة الاتصال في بيان لها، عن استياء واستغراب كبيرين لما وصفته "بالتصرف الغريب وغير المبرر".
وتابعت أن الصورة "طمست منها بشكل مريب منارة جامع الجزائر الذي يشكل رمزاً من رموز الجزائر المستقلة، ومعلماً بارزاً من معالم الجزائر الجديدة"، وهو أمر بالغ "الحساسية لارتباطه بوجدان الأمة ممثلة في أبرز رموز ومقومات الهوية الوطنية ومكونات الشخصية الجزائرية المستهدفة بمختلف الطرق والوسائل".
وأكدت أن القانون يمنع "حجب الجامع بصفة جزئية أو كلية أو تشويه أو إخفاء وجهه الجمالي". وأعلنت وزارة الاتصال "احتفاظها بحقها الكامل في القيام بالمتابعات القضائية التي يقتضيها الوضع".
واعتبرت أن إظهار الصورة التي طمس منها جامع الجزائر بالشكل الذي ظهرت به في غلاف الصحيفة "يعتبر اعتداء صارخاً على هذه القوانين، وتشويهاً لهذا الصرح الكبير والمعلم الديني وخرقاً لأخلاقيات المهنة وانحرافاً عن قواعد الاحترافية". ودعت الوزارة جريدة "الوطن" وكافة الصحافيين والإعلاميين إلى "التحلي بالاحترافية المطلوبة وإلى الالتزام بضوابط المسؤولية الذاتية والقانونية وبآداب وأخلاقيات المهنة".