منذ احتدام القتال مطلع فبراير/ شباط الحالي، في محافظة مأرب اليمنية، تحوّلت الشائعات سلاحاً رئيسياً في يد جماعة الحوثيين التي استخدمته لتحطيم معنويات القوات الحكومية وخلط أوراقها، بما يسهل لها اجتياح المدينة النفطية شرق البلاد. وفي مجتمع قبلي متوسط التعليم، نجح هذا النوع من الأسلحة في إرباك الخصوم، ولو بشكل محدود، وأدى إلى حجب الحقائق واكتساح الأخبار الزائفة التي تنطلق غالباً من وسائل التواصل الاجتماعي، وتجد طريقها إلى السواد الأعظم من اليمنيين.
واعتمدت جماعة الحوثيين على مطابخ متعددة لضخ الشائعات في معركة مأرب. ووفقاً لخبراء، بدت النكهة الإيرانية حاضرة بقوة في هذا النوع من المعارك، ابتداء بتوظيف الخطاب الديني والزعم بأن ما يجري في مأرب "جهاد بتوجيه إلهي ضد إسرائيل والكفار"، وصولاً إلى استغلال مسألة أعراض النساء كطريقة مُثلى لإثارة حمية رجال القبائل وكسبهم للقتال في صفوفها من جهة، وتحييد رجال القبائل داخل مأرب بعدم قتالها من جهة أخرى.
يُوظف الخطاب الديني وأعراض النساء في إثارة حمية القبائل
وفي مسرح الحرب النفسية هذه، بدت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاجزة عن مجاراة الحوثيين، فاكتفت في مناسبات مختلفة بالتموضع في موقع الدفاع، لنفي الشائعات الحوثية التي تمس معنويات مقاتليها بدرجة أساسية.
لا تتشابه المعركة التي تدور على أسوار مأرب مع سابقاتها، وعقب صلابة دفاعية واستبسال لافت للقوات الحكومية والمقاتلين القبليين في الدفاع عن مواقعهم، لم يكن أمام جماعة الحوثيين سوى اللجوء إلى سلاح معنوي، سيجعلها على أقل تقدير في منأى من النزيف البشري الهائل، في حال عدم نجاحه في تحطيم معنويات الخصوم.
كثف الحوثيون من عملية تسويق شائعات تزعم أن مئات الأفراد من القوات الحكومية تركوا مواقعهم في جبهات القتال في مأرب وعادوا إلى صنعاء "معلنين التوبة"، ودأبوا ــ على لسان عدد من قيادات الصف الأول ــ على توجيه دعوات أخرى لمن تبقى منهم بعد منحهم عفواً عاماً.
وفي مسعى منها لإضفاء المصداقية، خصصت وسائل إعلام حوثية، خلال الأسبوعين الماضيين، أرقام هواتف قالت إنها للتواصل مع من أسمتهم بـ"المغرّر بهم"، لمغادرة مأرب التي بات سقوطها في أيديهم وشيكاً، حسب مزاعمها. كما لجأت إلى تسويق لقطات متلفزة، تعود إلى عام 2015، تظهر فيها قوات الحوثيين وهي على تخوم سد مأرب، الواقع حالياً تحت سيطرة القوات الحكومية. كما أعلن رئيس استخبارات الجماعة المدرج في قوائم الإرهاب الأميركية والأممية، عبد الله علي الحاكم، امتلاك الحوثيين مئات العناصر داخل مأرب، وقال إنهم سيعملون على قلب الطاولة من الداخل وتغيير الموقف، وإنهم يرصدون كافة تحركات القيادات العسكرية الموالية للشرعية، لتشتيت السلطات الحكومية وإرباك تحركاتها.
وتحاول السلطات الحكومية إيصال رسائل للحوثيين بأنها على دراية بالأمر؛ خلال اليومين الماضيين، اتهمت وزارة الدفاع في مأرب جماعة الحوثيين، التي تسيطر على قطاع الاتصالات في صنعاء، باستخدام شركات الهاتف كسلاح في هذه المعركة، والتجسس على قادة القوات الحكومية ورصد تحركاتهم، أو إجراء مكالمات مباشرة معهم تساومهم فيها بوقف القتال ضدها، أو استخدام هواتفهم في مناسبات كثيرة للابتزاز في موضوعات لا أخلاقية. ووفقاً للوزارة، فقد عملت جماعة الحوثيين على استخدام شبكات الاتصالات كسلاح فعال للوصول إلى أبرز الحسابات التابعة لناشطين وصحافيين موالين للشرعية، ثم تعمل إما على تعطيلها أو قرصنتها واستغلال رواجها وشعبيتها في نشر معلومات مضللة وتسويق انتصارات وهمية.
اتهامات للحوثيين باستهداف حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لناشطين وصحافيين
أسلحة الحرب النفسية الحوثية امتدت أيضاً إلى تزوير مذكرات رسمية وبرقيات سرية باسم وزارة الدفاع وعدد من الهيئات العسكرية الحكومية، في مسعى من الحوثيين للتأثير على مجريات المعركة. لكن مصدراً رسمياً في الجيش الوطني سخر من تلك المساعي، وقال إنها صادرة عما أسماها "المطابخ الحوثية الإيرانية"، واعتبرها "أسلوباً مفضوحاً لم يعد ينطلي على أحد"، وفق ما نقلت لصحيفة "26 سبتمبر" الناطقة بلسان وزارة الدفاع.
وقد حاولت جماعة الحوثيين تنفيذ ضربة مزدوجة، بعد تسويق بيان منسوب لتنظيم "داعش" في اليمن، يزعم أنه حقق انتصارات على الحوثيين في إحدى جبهات القتال في مأرب، لتشويه صورة القوات الحكومية وإظهارها أنها تحتضن إرهابيين في صفوفها، ومغازلة المجتمع الدولي، وتحديداً واشنطن، بإقناعه أنها تخوض معركة ضد التنظيمات الإرهابية، لشرعنة عملياتها العدائية. وعززت الجماعة هذه الشائعة ببيانات رسمية من مكتبها السياسي والمتحدث الرسمي وقيادات الصف الأول، لكن الحسابات الرسمية التي دأبت على نشر بيانات "داعش" في اليمن خلت من أي موقف رسمي، وهو ما برهن على أنها معلومة مضللة، وفقاً لخبير عسكري.
ورأى الضابط في الجيش اليمني، ماجد الشرعبي، أن المحاولات الحوثية "تنم عن عجز حقيقي في الميدان". وقال الشرعبي لـ"العربي الجديد" إن تهمة "الدعشنة" التي تسوقها المليشيات "ليست جديدة". وأقر الضابط اليمني بوجود تقصير حكومي في استخدام الحرب النفسية كسلاح مماثل ضد الحوثيين، وخصوصاً عبر وسائل الإعلام الحكومية أو حليفتها.
قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية حاولت، منتصف فبراير/شباط الحالي، ضرب معنويات الحوثيين، بإلقاء منشورات من المقاتلات الحربية، تدعو فيها المليشيات التي تهاجم مأرب إلى الاستسلام. لكن مصادر محلية قالت إن تلك المنشورات ضلت طريقها وسقطت في مناطق بعيدة عن مواقع الحوثيين، وبالتالي فشلت في تأدية الهدف المطلوب منها.
ووفقاً لخبراء، تلجأ منصات ومواقع إلكترونية تابعة للحكومة الشرعية إلى استخدام الحرب النفسية في بعض المناسبات بطريقة خاطئة، وذلك عند بث لقطات لأسرى حوثيين وهم يجهشون في البكاء بعد وقوعهم في الأسر، أو جثث لمقاتلين حوثيين متناثرة في الجبال والصحاري، لترهيب القبائل ورفض الدفع بهم في معركة خاسرة. كما يستخدم أنصار القوات الحكومية صور المواكب الطويلة لتشييع القتلى الحوثيين الذين يسقطون يومياً في جبهات مأرب والجوف، أو تعزيزات عسكرية للجيش من محافظات الجنوب، لإيصال رسائل للمليشيات الحوثية بأن هذا المصير ينتظرها في مأرب.
وأشارت أنجيلا المعمري، وهي أستاذة مساعدة الصحة النفسية في "جامعة تعز" اليمنية، إلى أن الحرب النفسية كانت تعتمد سابقاً على وسائل الإعلام الرسمية لكل طرف والأناشيد الحماسية ومنابر المساجد، لكن خطورتها تضاعفت أخيراً، بعد ظهور منصات التواصل الاجتماعي التي استُغلت في نشر الشائعات من وراء الستار، وخصوصاً في ظل غياب الجهات المضادة التي تفندها.
وقالت الباحثة اليمنية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الإشاعات غالباً لا تأخذ مساحة واسعة في الانتشار، ويمكن التصدي لها في ظل وجود تيار مضاد يمتلك قدراً كبيراً من الثقة ويعمل على تقديم الحجج ورفع مستوى الوعي، لكن التعتيم الإعلامي الممنهج، وحجب حقائق ما يدور على الأرض، جعل الشائعة تجد البيئة الخصبة لإحداث التأثير الكبير حد تصديقها.
وفعلاً، لم تعلن جماعة الحوثيين رسمياً على لسان المتحدث العسكري، كما جرت العادة، عن ثمار هجومها العنيف على مأرب منذ 3 أسابيع، كما لم يقدم أي طرف دليلا ماديا أو لقطات مصورة تكشف بوضوح حقيقة خارطة السيطرة والنفوذ على الأرض.
وفي ما يخص استغلال طرفي النزاع اليمني للأسرى والتعامل بشكل لا إنساني، في إطار الحرب النفسية، أكدت الباحثة اليمنية أن ذلك ممنوع في القوانين الدولية الإنسانية، إلا أن الحرب النفسية تبيح كل محظور، فظهور أسير في موقف ضعف يكون له رد فعل سلبي لدى الطرف الآخر وعناصره الذين يخشون من المصير نفسه. وأضافت أن "الحرب النفسية باتت من أخطر الأسلحة ويتعلق عليها مصير المعارك، سواء بالفشل أو بالنصر، ولذلك ليس غريباً أن نشاهد استخدام كافة الأساليب المشروعة وغير المشروعة لكل طرف في ضرب معنويات الطرف الآخر".