استمع إلى الملخص
- المنافسة والتحديات القانونية: تواجه "أوبن إيه آي" منافسة قوية من "غوغل" و"ميتا"، وتحديات قانونية تتعلق بانتهاك حقوق الملكية الفكرية، مما يبرز التحديات القانونية والأخلاقية في المجال.
- المخاوف والآثار الاجتماعية: تثير تقنيات الذكاء الاصطناعي مخاوف بين العاملين في الصناعات الإبداعية من فقدان وظائفهم، مما أدى إلى دعاوى قضائية وتحذيرات من تهديدات هذه التقنيات.
مع إطلاق "تشات جي بي تي" قبل عامين، انبعثت آمال عريضة بأن يؤدي هذا التقدم التكنولوجي إلى ظهور آلات ذات ذكاء قريب من الإنسان. وهذا العام كان الذكاء الاصطناعي محور جهود قطاع التكنولوجيا حيث اشتدت المنافسة لإطلاق النماذج الأكثر تطوراً، بينما تواجه أبرز الشركات دعاوى قضائية حول العالم، بسبب مخاوف قطاعات أخرى من استغلال جهودها. أنفقت "مايكروسوفت" (المستثمر الرئيسي في أوبن إيه آي)، وكذلك "غوغل" و"أمازون" و"ميتا" وغيرها من الشركات، مليارات الدولارات وأطلقت أدوات تُنتج بسهولة نصوصاً وصوراً ومقاطع فيديو عالية الجودة، وباتت هذه التكنولوجيا الشغل الشاغل للملايين.
"أوبن إيه آي" في المقدمة
على الرغم من المنافسة الشرسة والقضايا والجدل التشريعي والحقوقي والتحذيرات، ما زالت شركة أوبن إيه آي الأميركية الناشئة، مطورة روبوت الدردشة القائم على الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي"، في صدارة الشركات من حيث الشعبية. ولم تتوقف طوال عام 2024 عن طرح المزيد من المنتجات، بما في ذلك روبوت لتوليد الفيديو، لتثير مخاوف العاملين في قطاع التلفزيون والسينما وصناعة الفيديو حول العالم.
في يناير/كانون الثاني 2024، دشّنت الشركة عاماً من المنتجات بـGPT Store، وهو متجر يجمع مختلف نسخ نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي "جي بي تي". كما أطلقت ChatGPT Team، وهو نسخة من "تشات جي بي تي" موجهة للمكاتب والشركات والأعمال. في فبراير/شباط أعلنت الشركة تجريب ميزة تسمح لروبوت الدردشة بتذكّر مختلف المحادثات مع المستخدم. وفي مارس/آذار كشفت "أوبن إيه آي" عن "سورا"، روبوت الذكاء الاصطناعي القادر على توليد مقاطع الفيديو بجودة عالية من خلال أسطر قليلة من الأوصاف والطلبات من لدن المستخدم، وهي الخدمة التي أثارت مخاوف كبرى من فقدان العاملين في السينما والتلفزيون وصناع المحتوى المرئي لوظائفهم بسبب هذه الأداة. في مايو/أيار تعرّف العالم على GPT-4o الأسرع والأعلى كفاءة من النماذج السابقة، بالإضافة إلى كونه يستطيع تحليل النص والصوت والصورة والفيديو، ويقدّم محتوى من أي من هذه الأنوع، ويمكنه الرد على الصوت بنفس سرعة البشر تقريباً. في الشهر نفسه، أطلقت الشركة ChatGPT Edu للجامعات وأطلقت مبادرة للسماح للمنظمات غير الربحية بوصول أكثر إلى منتجاتها.
في يوليو/تموز كشفت "أوبن إيه آي" النقاب عن SearchGPT، وهو محرك بحث ينافس "غوغل" بشكل مباشر، بحيث يقدّم الروابط في نتائج البحث، إلى جانب اعتماده على اللغة الطبيعية البشرية. وفي سبتمبر/أيلول، كشفت الشركة النقاب عن OpenAI o1، وهو نموذج قادر على التحليل العقلي العميق والمعقّد، والذي تصفه الشركة بأنه "أخذ وقته في التفكير قبل الإجابة". في أكتوبر/تشرين الأول، طرحت Canvas الذي يُفتح في نافذة مستقلة ويساعد المستخدم خلال مشروع كتابة أو برمجة. في ديسمبر/كانون الأول ومع نهاية العام، قدّمت "أوبن إيه آي" منتجها عالي التكلفة ChatGPT Pro، الذي لا يقلّ سعره عن 200 دولار، ما يعني ضعف سعر النسخة العادية المدفوعة عشر مرات، وذلك مقابل وصول واسع إلى ميزات ومنتجات متقدّمة.
أبرز المنافسين
بعدما هزّت "أوبن إيه آي" أركان صناعة التكنولوجيا وتقودها حالياً إلى أفق حيث يسيطر الذكاء الاصطناعي على مختلف مناحي الحياة، دقّت شركات التكنولوجيا المنافسة ناقوس الخطر وشرعت في بذل جهود مضاعفة لإطلاق نماذج لغوية ومنتجات عاملة بالذكاء الاصطناعي. وتنافست "غوغل" و"ميتا" وغيرها مع "أوبن إيه آي" على طرح خدمات وأدوات نماذج جديدة للذكاء الاصطناعي التوليدي، رغم الكلفة المادية الباهظة.
لعل آخر النماذج "جيميناي 2.0" الذي أعلنت عنه "غوغل" في ديسمبر/كانون الأول الحالي، وهو نموذج أكثر تطوراً يسعى إلى اللحاق بنماذج "أوين إيه آي" وغيرها. كما طرحت الشركة نموذجاً أولياً يسمى "بروجيكت أسترا" يستطيع التحدث إلى المستخدمين عن أي شيء تلتقطه كاميرا هواتفهم الذكية في الوقت الفعلي، وكذلك نتائج بحث مصنفة تحت عناوين رئيسية مولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي.
أما "ميتا" فقد اختارت أن يكون نموذجها التوليدي "لاما" مفتوح المصدر. أحدث إصدار منه "لاما 3.3 70 بي"، الذي صدر في ديسمبر/كانون الأول الحالي، في محاولة من عملاق التواصل الاجتماعي لسدّ الفجوة مع المنافسين.
مخاوف ودعاوى
إذا كانت هذه الأدوات تَعِد بتسهيل الحياة على المستخدم العادي، وبالأرباح للشركة المالكة، فهي تبث الرعب في قلوب الملايين من المبدعين والصحافيين وصنّاع المحتوى، الخائفين على فقدان وظائفهم وقطع سبل عيشهم عند استبدالهم بروبوتات تؤدي عملهم أسرع وأرخص. في أستراليا اتهم تحقيق داخل مجلس الشيوخ شركات التكنولوجيا بـ"نهب الثقافة والبيانات والإبداع" لتدريب الذكاء الاصطناعي. وفي فرنسا كشفت دراسة للاتحاد الدولي لجمعيات المؤلفين والملحنين أن العاملين في قطاع الموسيقى سيخسرون ربع دخلهم تقريباً بسبب الذكاء الاصطناعي في غضون السنوات الأربع المقبلة.
تُترجم هذه المخاوف إلى دعاوى قضائية ضد الشركات المالكة لروبوتات الدردشة. الدعاوى كانت كثيرة، من بينها شكوى صحيفتي وول ستريت جورنال ونيويورك بوست، في أكتوبر/تشرين الأول، ضد شركة بربليكسيتي لانتهاك حقوقهما في الملكية الفكرية، بينما هدّدت "نيويورك تايمز" الشركة بالقضاء إذا لم تتوقّف عن سرقة محتواها. في الشهر نفسه، وقّع أكثر من 11 ألف شخص ومؤسسة من قطاع الصناعات الإبداعيّة، بينهم مشاهير وعاملون من عوالم الأدب والموسيقى والسينما والمسرح والتلفزيون، على بيان يحذّر شركات الذكاء الاصطناعي من أن الاستخدام غير المرخص لأعمالهم يشكّل "تهديداً كبيراً وغير عادل" لسبل عيش الفنانين.
بعض الدعاوى جاءت بحمولة مأسوية جداً، إذ رفعت أم دعوى مدنية ضد شركة كاراكتر إيه آي، التي تصنع روبوت دردشة قابلاً للتخصيص للعب الأدوار، متهمةً إياها بالإهمال والقتل الخطأ وممارسات تجارية خادعة. وتأتي الدعوى بعدما توفي ابنها سيويل سيتزر (14 عاماً)، منتحراً، بتشجيع من روبوت الدردشة بحسب الدعوى.
حدود الذكاء الاصطناعي
ذكرت الصحافة الأميركية أخيراً أن النماذج الجديدة قيد التطوير تبدو وكأنها وصلت إلى حدودها القصوى، ولا سيما في "غوغل"، و"أنثروبيك" (كلود)، و"أوبن إيه آي". وقال المؤسس المشارك لـa16z، وهي شركة رأس مال استثماري مساهمة في "أوبن إيه آي" ومستثمرة في شركات منافسة بينها "ميسترال"، بن هورويتز: "إننا نزيد (قوة الحوسبة) بالمعدل نفسه، لكننا لا نحصل على تحسينات ذكية منها"، في حديث لوكالة فرانس برس. أما "أورايون"، أحدث إضافة لـ"أوبن إيه آي" والذي لم يتم إعلانه بعد، فيتفوق على سابقاته، لكن "الزيادة في الجودة كانت أقل بكثير مقارنة بالقفزة بين جي بي تي 3 وجي بي تي 4"، آخر نموذجين رئيسيين للشركة، وفق مصادر أوردتها "ذا إنفورميشن".
وعبّر خبراء كثر، أجرت وكالة فرانس برس مقابلات معهم، عن اعتقادهم بأن قوانين الحجم وصلت إلى حدودها القصوى، إذ أكّد رئيس شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي القانوني التوليدي سبيلبوك، سكوت ستيفنسون، أن "بعض المختبرات ركزت كثيراً على إضافة المزيد من النصوص، معتقدةً أن الآلة ستصبح أكثر ذكاءً".