استمع إلى الملخص
- **قصص معاناة الصحافيين المعتقلين**: معاذ عمارنة يعاني من مشاكل صحية بعد تسعة أشهر من الاعتقال الإداري. ثائر فاخوري تعرض لمحاولة قتل وانتقد غياب نقابة الصحافيين. محمد الأطرش اعتقل بتهمة التحريض وأفرج عنه بشروط تمنعه من ممارسة عمله بحرية.
- **استهداف الصحافيين كجزء من سياسة الاحتلال**: اعتقال أكثر من 80 صحافياً منذ بدء العدوان على غزة يعكس تعمد إسرائيل استهداف الصحافيين. التشريعات الإسرائيلية تغلّظ العقوبات على العمل الصحافي، مما يؤدي إلى فقدان العديد منهم لوظائفهم وخلق حالة من الرقابة الذاتية.
يعاني الصحافيون الفلسطينيون خلال اعتقالهم، حالهم حال كل الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تجارب قاسية يكشفون عن فظاعتها بعد تحريرهم، علماً أن وحشية الاحتلال بحقهم تزداد حدتها منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتحديداً في غزة، حيث استشهد أكثر من 150 صحافياً وعاملاً في المجال الإعلامي، وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في القطاع.
في السابع من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اعتقل جيش الاحتلال الإسرائيلي مدير مكتب "العربي الجديد" في غزة، الزميل ضياء الكحلوت، مع عشرات الفلسطينيين من مدينة بيت لاهيا، شمالي القطاع. بعد الإفراج عنه، في التاسع من يناير/ كانون الثاني الماضي، تحدث الكحلوت عن التعذيب الذي تعرض له وما قاساه من معاملة غير آدمية طوال فترة اعتقاله. أما الزميل المتعاون مع "التلفزيون العربي"، محمد عرب، فلا يزال في الأسر منذ اعتقاله من مستشفى الشفاء في مارس/ آذار الماضي، وشهادته من معتقله، التي نشرها "العربي الجديد" أخيراً، تعكس فظاعة ما يعيشه.
وفي الضفة الغربية، تتصاعد وحشية الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحافيين الفلسطينيين أيضاً. إذ اعتقلت قوات الاحتلال 9600 فلسطيني هناك منذ السابع من أكتوبر الماضي، بينهم 88 صحافياً. ووفقاً لمسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني، أماني السراحني، فإن 51 صحافياً لا يزالون في الأسر، بينهم ست صحافيات، و15 صحافياً من قطاع غزة.
معاذ عمارنة
أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء الماضي، عن الصحافي الفلسطيني معاذ عمارنة بعد اعتقال إداري من دون تهمة دام تسعة أشهر. وطلب عمارنة عدم معانقته، بمن في ذلك أهله الذين اشتاق إليهم، بعد طول اعتقال، وبدلاً من ذلك طلب نقله لإجراء فحوصات طبية لشكوك لديه بإصابته بمرض جلدي غامض جرّاء ظروف اعتقاله في السجون الإسرائيلية. نقل عمارنة عقب الإفراج عنه عند حاجز الظاهرية جنوب الخليل جنوب الضفة الغربية، إذ كان معتقلاً في سجن النقب، إلى مسقط رأسه في مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم جنوب الضفة الغربية، وبعدها إلى مستشفى بيت جالا الحكومي في بيت لحم. أكد الأطباء أنه يعاني من ارتفاع نسبة السكر في الدم، بالإضافة إلى التهاب في إصبع قدمه وعينه المصابة.
وكان نادي الأسير الفلسطيني قد نبّه إلى أنه "في إطار الجرائم الطبيّة التي ينفّذها الاحتلال بحق الأسرى والمعتقلين، فإنه رفض السماح بإدخال عينه الزجاجية ونظارته، بعد أن فقد إحدى عينيه عام 2019 برصاص جنود الاحتلال، خلال ممارسة عمله الصحافي، حيث استقرت الرصاصة على جدار الدماغ". وأوضح أن "عمارنة يعاني من مرض السكري المزمن، والذي تفاقم في ظل تنفيذ إدارة السجون سياسة التجويع بحق الأسرى، كما يعاني من نوبات ألم وصداع شديدة...".
ووفق عمارنة، فإن سجن النقب يُعد حالياً من أسوأ السجون، حيث يعاني الأسرى من تضييقات شديدة في حياتهم اليومية، سواء في الخروج للاستحمام أو إلى ساحة السجن، بالإضافة إلى نقص الطعام، ما يعكس سياسة التجويع الممنهجة بحقهم. وخلال اعتقاله، فقد عمارنة مصدر دخله الوحيد، علما بأنه يعيل أسرته المكونة من ثلاثة أطفال إضافة إلى أمه وشقيقته، وهو الابن الوحيد من الرجال للعائلة.
ثائر فاخوري
تجربة قاسية عاشها الأسير المحرر الصحافي ثائر فاخوري من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، إذ قال لـ"العربي الجديد" إنه "غُيّب عن دوره في نقل صورة معاناة الشعب في مختلف الأراضي الفلسطينية، وانتقل من مرحلة توثيق جرائم الاحتلال، إلى مرحلة العيش تحت وطأة ظلم إدارة السجون الإسرائيلية". ولا حصانة للصحافي الفلسطيني في مراحل الاعتقال، أضاف فاخوري، مستشهداً بوجود عشرات الصحافيين داخل سجون الاحتلال على خلفية عملهم الصحافي، إذ "يحاول الاحتلال تحقيق عامل الردع؛ لثني الصحافيين عن عملهم واستمرار تهديدهم بالاعتقال حال العودة إلى طبيعة عملهم قبل الاعتقال، وهذا انعكس على فقدان العديد لوظائفهم التي كانوا يعملون فيها على خلفية الاعتقال أشهر طويلة".
وتعرّض فاخوري خلال اعتقاله لـ"محاولة قتل"، وذلك في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حين اقتحم عناصر قوات قمع السجون "المتسادا" الغرفة التي يقبع فيها، واختاروه من بين 12 أسيراً، ثم انهالوا عليه ضرباً ففقد القدرة على النظر لمدة أسابيع، عدا عن إصابته بكسور ما زال يعاني منها في الأنف والأضلاع.
وانتقد غياب نقابة الصحافيين الفلسطينيين عن متابعة قضايا الأسرى الصحافيين عبر المرافعة القانونية أو الزيارة من طواقم المحامين. وصرّح لـ"العربي الجديد": "على مدار ثمانية أشهر لم يزرنا أحد من النقابة، علماً أنهم كانوا قادرين على ذلك، لأن معظم الأسرى الصحافيين اعتقلوا في سجن عوفر حيث يسمح للمحامين من الضفة الغربية بالزيارة". وأردف: "الزيارات التي كنا ننقل فيها أخبارنا وأحوال الأسرى في السجون تمت عبر زيارات من المحامين الذين وكّلتهم عائلاتنا".
اعتقل فاخوري في 20 أكتوبر الماضي، وأفرج عنه في يونيو/ حزيران الماضي.
محمد الأطرش
اعتقال الاحتلال أكثر من 80 صحافياً منذ بدء العدوان على غزة يبين تعمّد إسرائيل استهداف الصحافيين إن لم يكن قتلهم في القطاع، بحسب حديث الأسير المحرر الصحافي محمد الأطرش لـ"العربي الجديد". وأضاف الأطرش أن هذا الاستهداف تيسره التشريعات الإسرائيلية التي تغلّظ العقوبات على العمل الصحافي بحجة "التحريض" الذي تربطه القوانين الإسرائيلية بأعمال وكتابات الصحافي، كما جرى معه عند اعتقاله بتهمة التحريض على خلفية أعمال صحافية.
خاض الأطرش تجربة تحقيقٍ قاسية في السجون الإسرائيلية، وروى قائلاً: "خضعت للتحقيق على خلفية العمل الصحافي، وقال لي أحد الضباط إن إسرائيل اليوم بلا قانون، وهذه المرحلة مهمة لاعتقال الصحافيين من دون رادع قانوني وفق الرغبة الإسرائيلية، وعندما كنت أرد عليهم بأني صحافي كنت أواجه باستهزاء وادعاءٍ أن لا صحافة ولا إعلام في فلسطين". الأطرش حاول إقناع ضبّاط الاحتلال بأن أعماله الصحافية لا تختلف عمّا يقدمه بعض الصحافيين الإسرائيليين، لكن ذلك أغضب الضبّاط المحققين الذين رفضوا اعتبار أن ما يحق للصحافي الإسرائيلي يحق للفلسطيني، إذ إن للصحافي الإسرائيلي الحق في التحريض أحياناً على القتل. وأشار إلى أن جنود الاحتلال كانوا يستهزئون ويشتمون وسائل الإعلام العربية والفلسطينية على الدوام، لأن مهنة الصحافة بنظرهم جريمة.
اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي محمد الأطرش في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، رفقة الصحافي عامر أبو عرفة، من مدينة الخليل، بعد اقتحام منزليهما وتفتيشهما. وأفرج عن الأطرش في يونيو الماضي، بينما لا يزال أبو عرفة معتقلاً، والاعتقال الحالي هو الرابع للأخير، ليصبح إجمالي ما أمضاه في سجون الاحتلال قرابة ست سنوات.
لكن الإفراج عن الأطرش كان بقيود: ممنوع أي كتابة صحافية قد تزعم إسرائيل أنها تحرض عليها. هذا الإفراج المشروط خلق حالة من الرقابة الذاتية العالية على الأطرش، فهو خائف من التعبير عن مواقفه أو نشر أعماله الصحافية التي قد تؤدي لعودته إلى السجون التي تشبه في حالها ما كان في معتقل "غوانتنامو"، كما قال.