العدوان على غزة بعد عام: الاحتلال يخنق الصحافة الفلسطينية

06 أكتوبر 2024
صحافية في خانيونس جنوبي قطاع غزة، 23 سبتمبر 2024 (دعاء الباز/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تدهور الأوضاع الإنسانية والصحفية في غزة: يعاني قطاع غزة من تدهور شديد في الأوضاع الإنسانية، حيث يعيش أكثر من مليوني شخص في ظروف غير صالحة للحياة، وفقد القطاع 10% من صحافيه بسبب الاستهداف المباشر.

- استهداف الصحافيين والبنية التحتية: تعرض الصحافيون في غزة لاستهداف ممنهج، حيث قُتل 174 وأصيب 396، مع تدمير البنية التحتية الإعلامية، وسط إفلات من العقاب.

- التضامن الدولي ودعم الصحافة: دعت منظمة مراسلون بلا حدود لحماية الصحافيين وخصصت 100 ألف يورو لدعم الصحافة المستقلة، مع تكريم الصحافيين في جائزة بايو.
مع مرور عام على بدء حرب الإبادة المتواصلة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة حيث قَتَلَ نحو 42 ألف شخص، فقد القطاع نحو 10% من إجمالي الصحافيين فيه، إذ كانوا هدفاً للقتل والأسر هم وعائلاتهم، ومن نجا منهم إلى الآن يعيش حيث "لم تعد الحياة ممكنة"، إذ قالت رئيسة منظمة أطباء بلا حدود فرنسا إيزابيل ديفورني، الجمعة، إنه من الضروري توصيل المساعدات الإنسانية بكمّيات ووتيرة "تتناسب مع خطورة الوضع". وأوضحت ديفورني التي عادت أخيراً من مهمة في قطاع غزة في منطقة المواصي (جنوب)، لوكالة فرانس برس في باريس، أن قطاع غزة "غير صالح للحياة". وأشارت إلى أن أكثر من "مليونَي شخص تقريباً في العراء، تحت قطع من البلاستيك على شاطئ البحر، ومع وصول البرد، ستكون الأمور سيّئة للغاية"، مضيفة أن المساعدات المُرسلة "لا تتناسب أبداً مع خطورة الوضع".
ووسط هذه المأساة التي تطاول مناحي الحياة كافة في غزة، "استمر الحق في الحصول على المعلومات حول ما يحدث في القطاع الفلسطيني في التآكل مع كل يوم يمر، مع استمرار التعتيم الإعلامي الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي"، وفقاً لمنظمة مراسلون بلا حدود التي نشرت تقريراً قبل أيام، حاولت فيه تلخيص ما يتعرض له الصحافيون والعاملون في المجال الإعلامي من فلسطينيي غزة منذ السابع من أكتوبر.
وتطرقت المنظمة المعنية بحقوق الصحافيين وحرياتهم حول العالم، ومقرها العاصمة الفرنسية باريس، إلى استهداف الصحافيين وقتلهم، وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية. وأكدت أنه "منذ بداية الحرب في غزة، دمّرت القوات الإسرائيلية بشكل منهجي البنية التحتية الإعلامية للأراضي الفلسطينية وخنقت الصحافة". وكررت المنظمة إعلان تضامنها مع صحافيي غزة ودعوتها العاجلة للمجتمع الدولي لحمايتهم.

"إفلات واسع النطاق من العقاب"

خلال عام واحد، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 174 صحافياً وعاملاً في قطاع الإعلام في غزة، وجرحت وأصابت 396 منهم، واعتقلت 36 صحافياً ممن عُرفت أسماؤهم. وأشارت "مراسلون بلا حدود" إلى أنه "هُجّر جميع الصحافيين تقريباً في هذه المنطقة المغلقة مرات عدة في العام الماضي، والقليل منهم الذين أُجبروا على المنفى ليس لديهم أي أمل في العودة. وفي الوقت نفسه، تواصل السلطات الإسرائيلية منع الصحافيين الأجانب من الوصول إلى غزة. ولم يتمكّن المراسلون القلائل الذين سُمح لهم بدخول غزة من الخارج من القيام بذلك إلا تحت مراقبة الجيش الإسرائيلي الصارمة".
ولم يتوقف القمع عند هذا الحد، فقد دُمرت مكاتب الصحافة، واعتقل وعُذّب الصحافيون، وقُطع الإنترنت والكهرباء بانتظام، وأكّدت معلومات "مراسلون بلا حدود" كل ذلك. وقد أضاف تقريرها أن "كثيراً ما يقع الصحافيون الذين يواصلون العمل ضد كل الصعاب في هذه المنطقة المغلقة ضحايا لحملات الدعاية التي تشكّك في نزاهتهم، وتتهمهم بالعمل مع المقاتلين أو المشاركة في هجمات 7 أكتوبر"، في إشارة إلى عملية طوفان الأقصى التي نفذها مقاومو "القسّام"، الجناح العسكري لحركة حماس، في ذلك التاريخ من العام الماضي، وأسفرت عن مقتل نحو 1400 إسرائيلي.
و"قد قوبلت هذه الانتهاكات المروعة لحرية الصحافة بإفلات واسع النطاق من العقاب. وعلى الرغم من الشكاوى الأربع التي تقدمت بها مراسلون بلا حدود إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الصحافيين في غزة، والضمانات التي قدّمها مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لمراسلون بلا حدود في يناير/كانون الثاني الماضي، فإن الجناة لم يقدَّموا بعد إلى العدالة، وما زالت الجرائم مستمرة. وعلى الرغم من أن السلطات الإسرائيلية زعمت في كثير من الأحيان أنها لا تستهدف الصحافيين، فإن شهادات وتحقيقات عدة، وحتى التصريحات التي أدلى بها الجيش الإسرائيلي، تتناقض مع هذا الادعاء"، وفقاً للمنظمة.

الصحافيون مستهدفون خارج غزة

حتى خارج غزة، تعرّض الصحافيون في أماكن أخرى من فلسطين للقمع العنيف على مدار العام الماضي. اعتُقل العشرات من الصحافيين من الضفة الغربية وظلوا في السجون الإسرائيلية، وأغلق جنود مسلحون مقر قناة الجزيرة في رام الله في سبتمبر/أيلول الماضي بتهمة الدعاية، وبرّر قانون أقره البرلمان الإسرائيلي في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 حظر قناة الجزيرة في إسرائيل، وطُبّق في 14 يونيو/حزيران 2024. وأكّدت "مراسلون بلا حدود" أن "هذه الرقابة تؤثر أيضاً على منابر أخرى؛ في 21 مايو/أيار، استولى الجيش الإسرائيلي على كاميرا تابعة لوكالة أسوشييتد برس للأنباء، وقطع تصويرها المستمر لغزة لساعات عدة بحجة أن هذه الصور تُقدَّم إلى "الجزيرة"، من بين وسائل الإعلام الأخرى. كما وقع المراسلون الإسرائيليون الذين ينتقدون الحرب في غزة وسياسات حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضحايا للقمع والترهيب وعنف الشرطة منذ 7 أكتوبر 2023.
وطاولت جرائم الاحتلال الصحافيين في لبنان أيضاً، إذ استشهد ثلاثة صحافيين برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء عملهم، وعلى الرغم من أن ستة تحقيقات، بما في ذلك تحقيق أجرته مراسلون بلا حدود، تثبت أن مصور وكالة رويترز عصام العبدالله استُهدف من قبل القوات الإسرائيلية في 13 أكتوبر 2023، إلا أنه لم تُحمَّل أي سلطة المسؤولية عن هذه الجريمة حتى الآن. وبعد مرور عام، اشتدت الحرب، والآن يواجه الصحافيون اللبنانيون خطر الوقوع ضحايا للمذابح أيضاً، إذ أُجبر العديد منهم على إخلاء منازلهم والعمل من مناطق خطيرة بشكل متزايد.

الحق في معرفة ما يحدث

خلُص التقرير إلى أن "القوات الإسرائيلية فعلت كل ما في وسعها لمنع تغطية ما يحدث في غزة، واستهدفت بشكل منهجي الصحافيين الذين تحمّلوا مخاطر هائلة للقيام بوظائفهم. وقد أثّر هذا بدوره على وصول الجمهور العالمي إلى المعلومات حول الحرب". وذكّرت "مراسلون بلا حدود" بأن "للصحافيين الحق في القيام بعملهم في تغطية هذه الحرب، ولنا جميعاً الحق في معرفة ما يحدث في غزة". ودعت إلى وقف فوري للعنف ضد الصحافيين في غزة، واتخاذ إجراءات ملموسة لإنهاء الإفلات من العقاب على الهجمات التي وقعت بالفعل، وفتح الوصول للصحافيين الأجانب من دون تأخير.
في السياق نفسه، نبّهت منظمة مراسلون بلا حدود، في سبتمبر/أيلول الماضي، إلى أن "الصحافة أصبحت مهنة شبه مستحيلة، في ظل تفاقم أعداد الصحافيين الذين يلقون حتفهم على يد الجيش الإسرائيلي في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، بينما لا يزال دخول القطاع المحاصر محظوراً على الصحافيين الأجانب". ولمواجهة هذا الواقع و"لتمكين ما يزيد عن 250 مراسلاً من مواصلة عملهم في غزة"، خصّصت "مراسلون بلا حدود" أكثر من 100 ألف يورو لدعم الصحافة المستقلة هناك، بالتعاون مع شريكتها المحلية شبكة "مراسلون عرب من أجل صحافة استقصائية" (أريج).
ونبّهت "مراسلون بلا حدود" إلى أن "أعداد الصحافيين الذين يُقتلون على يد الجيش الإسرائيلي آخذة في التفاقم بشكل مستمر، ما يعني أن تغطية الحرب باتت تتوقف على مجموعة من الصحافيين الذين يخاطرون بحياتهم يومياً لإخبارنا بما يجري في الميدان". وقال مدير قسم المناصرة والدعم في المنظمة أنطوان بيرنار، في بيان الشهر الماضي: "نكرر بأشد العبارات دعواتنا إلى حماية الصحافيين في غزة، وتمكين وسائل الإعلام الدولية من دخول القطاع، حتى لا يتحول هذا الأخير إلى بؤرة سوداء على المستوى الإعلامي". وفي هذا الصدد، رفعت المنظمة ثلاث شكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحافيين. 

غزة في قلب جائزة بايو لمراسلي الحرب

سيكون العدوان على قطاع غزة والغزو الروسي لأوكرانيا في قلب الدورة الحادية والثلاثين لجائزة بايو لمراسلي الحرب التي تنطلق غداً الاثنين. وقالت المنظمة أوريلي فييل: "لم يسبق أن قتل هذا العدد من الصحافيين خلال نزاع كما حدث في غزة خلال العام الماضي".
واختير 52 تقريراً من بين 400 للمنافسة على الجائزة وفقاً لفييل، فيما سيعرض نحو 350 مراسلاً حربياً هذا العام في "بايو" (نورماندي، شمال غربي فرنسا) أعمالهم أو للمشاركة في نقاشات أو ببساطة للإدلاء بشهاداتهم. وستشهد هذه الدورة، كما كل عام، تدشين نصب تذكاري تكريماً للصحافيين الذين قتلوا أثناء تأدية واجبهم خلال العام الماضي. وسيشمل هذا العام 58 اسماً قدّمتها منظمة مراسلون بلا حدود، من بينهم عصام العبدالله. وستزرع شجرة زيتون في حديقة هذا النصب التذكاري تكريماً لجميع الصحافيين الفلسطينيين الذين استشهدوا أثناء تأديتهم عملهم خارج إطار العدوان على غزة. وسيكون مدير مكتب وكالة فرانس برس في غزة عادل الزعنون حاضراً أيضاً في نورماندي، إلى جانب عدد من صحافيي الوكالة المرشحين لجائزة في النصوص والصور والفيديو. وسيقدّم شهادة "على ما أصبحت" عليه مهنة الصحافي "في زمن الحرب"، بحسب البرنامج الرسمي.
المساهمون