الفلسطينية كاميليا جبران تستعرض مسيرتها الفنية من القدس إلى أوروبا

14 يونيو 2024
قدّمت المغنية ألبومات موسيقية متنوعة عن فلسطين (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- كاميليا جبران تستعرض مسيرتها الفنية منذ الثمانينات مع فرقة صابرين في القدس، مؤكدة على دورها في تجربة أغنية المقاومة الفلسطينية وتأثرها بشعراء مثل محمود درويش.
- الندوة تناولت الخطاب الاستعماري في الصناعة الموسيقية الفلسطينية وأهمية الموسيقى في مقاومة محاولات محو الهوية الفلسطينية، مع التركيز على تجربة جبران في تقديم أغاني المقاومة.
- بعد انتقالها لأوروبا، واصلت جبران تقديم مشاريع تجمع بين الأصالة الفلسطينية والأنماط العالمية، مؤكدة على أهمية بناء موسيقى تعبر عن هويتها كفلسطينية تعيش بين ثقافتين.

استعرضت المغنيّة والمؤلفة الموسيقية الفلسطينية كاميليا جبران في ندوة شهدتها رام الله الخميس، محطات أساسيّة من مسيرتها مطربةً بين ثمانينيات القرن الماضي ومطلع الألفية الثالثة في فرقة صابرين في القدس، والتي تشكل ركناً أساسيّاً من تجربة أغنية المقاومة الفلسطينية. وجاء الحوار الذي أدارته المغنية والموسيقية والأكاديمية مايا الخالدي، تحت عنوان "مسار"، وأقيم في قاعة مؤسسة عبد المحسن القطان في مدينة رام الله، ضمن سلسلة ندوات ومحاضرات ضمن برنامج "العتبة"، وتنظمه عدّة مؤسسات ثقافية تهدف إلى تسليط الضوء على الثقافة الموسيقية الفلسطينية، وأن تتيح للموسيقيين وغير الموسيقيين فرصة الاشتباك مع مواضيع كالخطاب الاستعماري في تعريف الصناعة الموسيقية الفلسطينية، ممّا يشكل جزءاً من مقاومة إسكات الصوت ومحاولات محو الهوية الفلسطينية وتزييف تاريخها، في ظل الأوضاع الاستثنائية التي يعيشونها، خاصةً مع تواصل حرب الإبادة على قطاع غزة.

امتد مشوار كاميليا جبران الفني قرابة نصف قرن، منذ كانت في سن الرابعة، حين أطلقت أولى تجاربها: تنويعات على أغنيات لأم كلثوم، سجلتها في منزل العائلة خلال أيام حرب 1967، وقامت بعرضها في الأمسية، وكان لافتاً تضمينها عزفاً لها على آلة البزق التي لم تكن دارجة في التخت الشرقي وقتها، ولم تكن مستخدمة في أغنيات أم كلثوم. كان ذلك المدخل إلى رحلة طويلة، ستقودها إلى فرقة صابرين أولاً، وستأخذها لاحقاً في أوروبا، مع الموسيقي السويسري فيرنر هاسلر والموسيقية الفرنسية سارة مورسيا، التي شاركت بعدها في تسجيل أغنيات ألبوم "على فين" نهاية تسعينيات القرن الماضي.

المنشأ كان المنزل، فبعد أن اكتشف والداها إلياس ونهاد جبران شغف ابنتهما كاميليا بالموسيقى عملا على تمتينه، وفتحا أمامها الباب إلى عالم الموسيقى بكليّته، وعالم الموسيقى المشرقية، وتحديداً التراث الشاميّ، وبعدها المصري، وتعلّمت أغنيات تراثية شامية بما فيها القدود الحلبية، وأخرى لفيروز، وأغنيات لأم كلثوم، حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي.

كاميليا جبران مع "صابرين"

بعدها بدأت تبحث عن ذاتها بكثافة في الموسيقى، وتقاطعت "أفكارها الثورية" مع رؤاها الموسيقية، فانحازت إلى أغاني المقاومة التي رافقت أشعار محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زيّاد وغيرهم. دفعها ذلك إلى التوجه نحو مارسيل خليفة والشيخ إمام وزياد رحباني، ومن ثم كان الانضمام إلى فرقة صابرين عام 1982، بعد أن انتقلت من قريتها الرامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 إلى القدس. وتحدثت كاميليا جبران عن هذه الخطوة قائلاً: "تعرّفت على فرقة صابرين حين قدّموا عرضاً لألبومهم الأول عن صمود، انجذبت إلى الفرقة، ليس لتكوينها الموسيقي في الأساس، بل لطبيعة المجموعة والشكل الفني الجديد الذي كانت تقدمه. كذلك لكونها تتقاطع مع اهتمامي بتقديم أغاني المقاومة، فانضممت إليها فور عرضهم عليّ ذلك".

أضافت: "صابرين هي تجربتي الثانية، بل مدرستي الثانية، بعد الانتقال من المنزل"، واصفةً إياها بأنّها "مرحلة التجديد، والتفكير، والبحث، والمشاركة في خلق موسيقى تشبهني"، وتابعت: "مجموعة صابرين، تخرج من داخلي، وأساهم في صياغتها، وتعكس الإصرار الجماعي في مواجهة التحدّيات، لجهة تقديم مغامرة فنيّة ذات رؤية تعلمت منها كيف تتم صناعة الموسيقى، كما الإنتاج الموسيقي، والعرض". كذلك، لفتت جبران إلى أهمية انفتاح الفرقة على تجارب شعرية حديثة، كما حصل مع نصوص الشاعر الراحل حسين البرغوثي، وفي وقت لاحق مع شعراء عرب كالمصري الراحل سيّد حجاب واللبناني طلال حيدر وغيرهما.

كاميليا جبران في أوروبا

غادرت كاميليا جبران فلسطين إلى مدينة بيرن السويسرية في العام 2002، إذ بدأت مرحلة ثانية مستمرة منذ أكثر من عشرين عاماً، قدّمت فيها تجارب متنوعة ذات بعد عالمي، من دون الابتعاد عن أصالة التركيبة الفلسطينية، ولو على مستوى المضامين. في الوقت نفسه قدمت أنماطاً موسيقيةً متنوعة وقوالب موسيقية جديدة، بعضها مُبتكرة، لتمدّ جسوراً عبر موسيقى وحنجرتها ذات الرنين الخاص، ما بين فلسطين وعوالم جديدة.

كانت البداية مع مشروع "محطّات"، ولخّصت فيه محطات تجربتها الموسيقية حتى العام الذي غادرت فيه البلاد، تحت إشراف فيرنر هاسلر، وضمنه أغنيات مشتركة مع سارة مورسيا التي استضافتها في باريس. وتحدثت جبران عن تجاربها في مشاريعها الفنية التي ترجمت أغنيات وأسطوانات في الفترة اللاحقة، بعضها يمكن أن يشكل جزءاً جديداً من عمل سابق، مع تجديد على مستوى النصوص أيضاً، بدءاً من بول شاؤول مروراً بحسن نجمي، وليس انتهاءً بنصوص كاميليا جبران نفسها.

من أهم الألبومات التي أصدرتها في تلك الفترة: "وميض"، و"نبني"، و"مكان"، و"حبكة"، و"وصل"، وغيرها، كما كشفت عن أنها انتهت من مشروع جديد قبل أيام يجمعها من جديد مع سارة مورسيا. أما في "نول" فقد قدمت تجربة موسيقية لافتة، من خلال العودة إلى الأغنية البدوية الفلسطينية وتراثها، وتحديداً في صحراء النقب وصحراء سيناء المصرية خلال عشرينيات القرن الماضي. استعانت جبران بكتاب لباحث أميركي يدعى كلينتون بايلي كان قد وثّق هذا اللون الغنائي.

وأشارت المغنية إلى أنها تروّت كثيراً قبل تقديم تلك الأغنيات البدوية بكلمات شعراء البادية الفلسطينية في الأساس، خاصةً تلك التي تعكس الواقع السياسي والاجتماعي في المنطقة خلال عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته، بصورة مشابهة لما يحدث في أيامنا هذه. من بين التسجيلات التي عرضتها أغنية تَعيب على البعض بيع أرضه للسلطات البريطانية أو لمصلحة مشاريع استيطانية يهودية.

على مدار ما يزيد عن أربعة عقود، قدّمت الفلسطينية كاميليا جبران مشاريع موسيقية، عمدت، كما أشارت أكثر من مرّة، إلى "الطواف" عبرها "بين الفضاءات والوسائط غير التجارية في العالم"، من أجل "رفع صوت المقاومة، والحريّة، والإرث الثقافي، وتطوير صيغ موسيقية أصيلة، وإعادة تعريف الأغنية العربية، وماهيّتها". في ختام الحوار شدّدت كاميليا جبران أمام الجمهور في مدينة رام الله، على أنها تعمل على بناء أغنيات وموسيقى تشبهها، هي الفلسطينية التي تعيش في أوروبا منذ أكثر من عقدين، ولا تسعى للانقطاع عن جغرافية بلادها وثقافتها أو جغرافية البلاد التي تعيش فيها وثقافتها، ترفض "التقوقع" لتنجز أفكاراً ورؤى فنية تعكس ما في داخلها.

المساهمون