يعتقد باحثون أن القضاة المسلمين يكونون أكثر عرضة لإصدار أحكام قضائية "مترفقة" بالمتهمين أثناء الصيام خلال شهر رمضان، على عكس بحث سابق يشير إلى أن القضاة الذين يجلسون على منصة القضاء من دون تناول الطعام، يصدرون أحكاماً أكثر صرامة. في ما أطلق عليه اسم "تأثير القاضي الجائع"، وجدت دراسة سابقة أجريت عام 2011، أن القضاة في الأراضي الفلسطينية المحتلة كانوا أكثر ميلاً إلى حرمان المجرمين من الإفراج المشروط إذا قضوا قبل تناول طعام الإفطار، وهو الاحتمال الذي يقل حدوثه في فترات الإفطار، وفقاً للدراسة القديمة.
في الدراسة الجديدة التي نشرت يوم 13 مارس/آذار في دورية Nature Human Behaviour، يدحض باحثون هذه الفرضية مستدلين بكمية هائلة من بيانات الأحكام الجنائية، بما في ذلك ما يقرب من نصف مليون قضية و10 آلاف قاض، تغطي فترة 50 عاماً في الهند وباكستان، وهما دولتان من أكبر ثلاث دول في العالم من حيث أكبر عدد للسكان المسلمين.
يقول الباحثون إنهم رصدوا زيادة "حادة وذات دلالة إحصائية" في أحكام البراءة من القضاة المسلمين خلال شهر رمضان، ولم تكن هناك مثل هذه الزيادة للقضاة غير المسلمين. وتبين للمؤلفين من تحليل السجلات، أن صيام رمضان يزيد أحكام البراءة بحوالي 10%.
"نجد أن الصيام يجعل القضاة أكثر تساهلاً، ومن المرجح أن يكون هذا التساهل أمراً جيداً. السبب في قولي هذا هو عندما نظرنا إلى البيانات حول ما إذا كانت القرارات الصادرة عن القضاة المسلمين في رمضان أكثر أو أقل عرضة للنقد، أو أن زيادة أحكام البراءة أدت إلى مزيد من الجرائم، وجدنا التأثير المعاكس"، كما يقول الباحث الرئيسي في الدراسة سلطان محمود، الباحث في كلية الاقتصاد الجديدة في روسيا.
ويضيف محمود في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هذه القرارات المتساهلة وُصفت على أنها ذات جودة أفضل من قبل القضاة الذين رأوا هذه القضايا مستأنفة في المحاكم العليا: "كانت هذه القرارات أقل احتمالاً للنقض في المحكمة العليا، ما أدى إلى تقليل العودة إلى الإجرام أو إعادة الجرائم، حتى إننا وجدنا بعض الأدلة على أن هذه القرارات قللت من التحيّز نحو الجماعة (التي ينتمي لها القاضي) أي إن القضاة المسلمين كانوا أكثر تساهلاً مع المتقاضين من غير المسلمين في رمضان. كل هذا يشير إلى أن رمضان قد يكون له تأثير إيجابي في نزاهة القضاة".
نظر المؤلف الرئيسي للدراسة وزملاؤه إلى القرارات حسب نوع الجريمة، ووجدوا أن آثار رمضان تظهر بشكل خاص في أكثر الجرائم عنفاً، حين يواجه المتهم عقوبة السجن مدى الحياة. ويشير الباحث إلى أن الهدف الرئيسي من الدراسة كان معرفة كيف يؤثر الدين في صنع القرار البشري. واتخذ فريق البحث عبادة صيام رمضان مثالاً لعلاقة التأثير والتأثر بين الطقس الديني والسلوك البشري (القضاء في حالة الدراسة).
يوضح محمود أن هناك حاجة لمزيد من الدراسات لفهم السبب وراء زيادة أحكام البراءة في شهر رمضان، وكيف تزيد أيام الصيام الأطول من أحكام البراءة وتتسبب في قرارات أفضل. يقول: "أعتقد أن هناك احتمالين مختلفين على الأقل. يمكن أن يكون تأثير التساهل في رمضان نفسياً، إذ يحث رمضان على التسامح أو ما نسميه ضبط النفس الأخلاقي في القضاة؛ إذ يبذل القضاة مزيداً من الجهد لفعل الشيء الصحيح".
ويضيف الباحث أن الاحتمال الثاني يمكن أن تكون له علاقة بالتأثيرات البيولوجية للصيام؛ إذ وجدت دراسات سابقة أن الصيام قد يؤدي إلى زيادة الإدراك، من خلال تقليل الكوليسترول وكتلة الدهون. وقد يؤدي هذا أيضاً إلى زيادة التساهل في الأحكام القضائية.