استمع إلى الملخص
- **تداعيات القرار على حرية التعبير**: يشكك الناشطون والصحافيون في نوايا النظام، معتبرين أن المنطقة الحرة ستعمق الرقابة وتكمم الأفواه، مما يفاقم تضليل الرأي العام ويشوه صورة المعارضين.
- **التشريعات السابقة وتأثيرها**: يأتي القرار ضمن سلسلة إجراءات لتعزيز الرقابة على الإعلام، حيث صنفت منظمة مراسلون بلا حدود سورية في المرتبة 179 من أصل 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة لعام 2024.
يسعى النظام السوري إلى إعادة تشكيل المشهد الإعلامي في البلاد عبر سلسلة من القرارات التي تهدف إلى تشديد قبضته وتعزيز سيطرته على قطاع الإعلام السوري وإخضاعه، بحسب ما قاله مصدر مطلع في وزارة الإعلام السورية رفض الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد". آخر هذه القرارات كان الموافقة على إنشاء المنطقة الحرة الإعلامية، التي يراد منها، بحسب وزارة الإعلام، "تطوير القطاع الإعلامي وجذب الاستثمارات". فيما رأى المصدر أن هذه الخطوة ستكون أداة جديدة لفرض الرقابة على الإعلام السوري ومؤسساته.
تكريس للسيطرة على الإعلام السوري
كان وزير الإعلام في حكومة النظام، بطرس حلاق، قد أكد خلال اجتماع وزاري، الخميس الماضي، أن المشروع يأتي في إطار سعي الحكومة لتقديم قيمة مضافة في المجالين المعرفي والإعلامي، مشيراً إلى أن المنطقة الحرة الإعلامية ستساهم في دعم الاقتصاد المحلي من خلال جذب الاستثمارات وتوفير فرص عمل جديدة. من جانبه، أشار رئيس حكومة النظام السوري، حسين عرنوس، إلى أهمية المشروع الاستراتيجية في تطوير صناعة المحتوى الإعلامي والمساهمة في التنمية الاقتصادية، مشيراً إلى أن المنطقة ستوفر بيئة عمل محفزة للمشاريع الإعلامية الناشئة.
وشكك المصدر الخاص في حديث مع "العربي الجديد" في التبريرات الحكومية، معتبراً أن التصريحات لا تخفي الهدف الرئيسي من خلفها، وهو "تعزيز سيطرة النظام على الإعلام السوري وتوجيهه نحو خدمة أجنداته الخاصة".
وأكد أن إنشاء المنطقة سيؤدي إلى زيادة التضييق على الحريات والرقابة على المحتوى الصحافي، ومنع أي صوت معارض. كما حذر من أنه سيؤدي إلى تدهور الوضع الإعلامي، وسيحرم المواطن حق الحصول على معلومات موثوق بها ومستقلة.
وكشف المصدر أن الأسماء التي طرحت للهيكل الإداري للمنطقة الإعلامية تضم صحافيين همهم الوحيد الترويج للنظام وإجهاض أي جهود شعبية أو إعلامية تشير لمواضع الخلل في البلاد. كما طلب عدم الكشف عن هذه الأسماء حالياً لعدم الاتفاق عليها، نتيجة اعتراض عدد من أعضاء الهيئة الإعلامية على بعضها نتيجة عدم كفاءتها ونقص خبراتها الأكاديمية، وأيضاً لحسابات داخلية بين أركان النظام. لكنه أشار إلى أن الشخصية الأولى المقترحة لإدارة المنطقة هي إعلامية مشهورة تخرج كل فترة للترويج بأن الإعلام السوري حر، في إشارة واضحة إلى هناء صالح.
وعن آثار القرار على المواقع الإعلامية المستقلة والصحافيين والناشطين المعارضين في سورية، توقع المصدر أن إنشاء المنطقة الحرة الإعلامية سيفاقم أزمة الإعلام، وسيؤدي إلى المزيد من القيود على حرية التعبير، كما سيكون له دور في شرعنة الانتهاكات بحق الصحافيين، ويقوض أي جهود للإصلاح السياسي.
تداعيات على القطاع
رأى الناشط الإعلامي محمد الصاوي في حديث مع "العربي الجديد" أن النظام يهدف للترويج بأنّه يطوّر القطاع الإعلامي ويجذب الاستثمارات. من جهة أخرى، يثير القرار مخاوف جدية بشأن المزيد من التضييق على الحريات وتعميق سيطرة النظام على الإعلام.
ولفت أن أهم تداعيات هذه الخطوة يكمن في تعميق الرقابة وتكميم الأفواه. بدلاً من أن تكون هذه المنطقة حاضنة للإبداع والتعبير الحر. وأشار إلى أنّها ستكون أداة جديدة لفرض الرقابة، حيث سيستخدمها النظام لتحديد المواضيع التي يمكن تناولها والقوالب التي يجب اتباعها. كما ستفاقم مشكلة تضليل الرأي العام، وبث رواية النظام للأحداث، وتشويه صورة معارضيه.
وأشار الصاوي إلى أن النظام قادر على جذب الاستثمارات المشبوهة عبر الدول الداعمة له، والتي يمكن أن يستخدمها لتمويل أنشطته القمعية، مما يعزز من سلطته ويصعب على المعارضة محاربته. ونبه إلى أن ذلك سيسهم في تضليل المجتمع الدولي عبر إيهامه بتنفيذ إصلاحات في مجال الإعلام، وبالتالي الحصول على مزيد من الدعم والاعتراف الدولي، وتحويل المنح المالية والمنظمات المانحة إلى صناديق إعلامية تسخر لغايات النظام.
ورأت صحافية فضلت عدم الإفصاح عن اسمها خشية الملاحقة في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "قرار النظام إنشاء المنطقة الحرة الإعلامية هو محاولة يائسة لتلميع صورته أمام المجتمع الدولي، ولكنه لن يغير من حقيقة أنه ما زال يمارس سياسة القمع والتضييق على الحريات. فبدلاً من أن تكون هذه المنطقة خطوة نحو الديمقراطية، فإنها ستكون أداة جديدة لتعزيز سلطته وقمع المعارضة".
التشريعات السابقة
جاء قرار إنشاء المنطقة الحرة الإعلامية ضمن سلسلة من الإجراءات التشريعية التي اتخذها النظام السوري في مجال الإعلام، والتي شملت إصدار مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة وتعديل قانون الإعلام. تهدف هذه الإجراءات، بحسب مراقبين، إلى تعزيز الرقابة على المحتوى الإعلامي وتضييق الخناق على حرية التعبير.
رغم هذه التحركات المكثفة على مستوى التشريعات والقرارات، لا يزال واقع الإعلام في سورية يعاني من قيود شديدة على حرية التعبير، قد صنفت منظمة مراسلون بلا حدود سورية في المرتبة 179 من أصل 180 دولة، على مؤشرها العالمي لحرية الصحافة لعام 2024، مما يعكس تدهور حالة الإعلام في البلاد.