المواد البلاستيكية الدقيقة (Microplastics) من أكثر القضايا البيئية والصحية التي تثير قلق العلماء والمختصين في الوقت الحاضر. مع تزايد استخدام البلاستيك في حياتنا اليومية، أصبحت الجسيمات البلاستيكية الصغيرة جزءاً لا يتجزأ من البيئة يمكن أن تتسلل إلى مصادرنا الغذائية والمائية. لذلك، هناك تساؤلات عن مدى تأثير هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة بصحة الإنسان.
البلاستيك الدقيق قطع صغيرة من البلاستيك يقلّ قطرها عن 0.2 بوصة (5 مم)، وتُنتَج إما كبلاستيك صغير، مثل حبيبات صغيرة تضاف إلى معجون الأسنان والمقشرات، أو تنشأ عند تحلل البلاستيك في البيئة. والبلاستيك الدقيق شائع في المحيطات والأنهار والتربة، وأظهرت الدراسات وجود مستويات عالية منه في البحار والمحيطات تُقدر بـ8.8 ملايين طن من النفايات، وغالباً ما تستهلكه الحيوانات البحرية. لذلك، بدأ العديد من الدراسات بالتحقق من مستويات البلاستيك الدقيق في المحيطات ودراسة تأثيره في صحة الإنسان.
توجد الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في البيئات المختلفة، بما في ذلك الطعام. وجدت الدراسات ما يصل إلى نحو 240 ألف قطعة بلاستيكية دقيقة في كل لتر واحد من المياه المعبأة في الزجاجات البلاستيكية، وما يصل إلى 600 جسيم بلاستيكي دقيق لكل كيلوغرام من ملح البحر. وجدت دراسات أخرى ما يصل إلى 660 ليفة بلاستيكية دقيقة لكل كيلوغرام من العسل. لكن المصدر الأكثر شيوعاً للجسيمات البلاستيكية الدقيقة في الطعام هو الكائنات البحرية، نظراً إلى أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة شائعة في مياه البحر، وتستهلكها الأسماك والكائنات البحرية الأخرى، ما قد يؤدي إلى تراكم المواد الكيميائية السامة داخل كبد السمك.
والمحار أكثر عرضة لخطر التلوث بالمواد البلاستيكية الدقيقة مقارنة بمعظم الأنواع الأخرى. وجدت دراسة أن المحار المحصود للاستهلاك البشري يحتوي على 0.36-0.47 جزيء من البلاستيك الدقيق لكل غرام، ما يعني أن مستهلكي المحار قد يتناولون ما يصل إلى 11 ألف جزيء من البلاستيك الدقيق سنوياً.
لا يُعرف سوى القليل عن تأثير الجسيمات البلاستيكية الدقيقة بصحة الإنسان والآثار السامة التي قد تختلف حسب نوع وحجم وشكل وتركيز الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، ولكن تشير الأدلة من الدراسات التي أجريت على أنابيب الاختبار والحيوانات إلى أن البلاستيك الدقيق قد يكون سيئاً للصحة. ثبت أن الفثالات (نوع من المواد الكيميائية المستخدمة لجعل البلاستيك مرناً) يزيد من نمو خلايا سرطان الثدي. وبما أن هذا البحث أُجري في طبق بتري، لذلك لا يمكن تعميم النتائج على البشر.
وفحصت دراسة تأثير المواد البلاستيكية الدقيقة في الفئران المعملية، ووجدت أنها تتراكم في الكبد والكلى والأمعاء، وتزيد من الإجهاد التأكسدي في الكبد، وأنها تزيد من مستوى جزيء قد يكون ساماً للدماغ. وجدت إحدى الدراسات التي أجريت على مجموعة من الأشخاص، أن الألياف البلاستيكية كانت موجودة في 87% من الرئتين في المجموعة المدروسة، وفسر الباحثون أن هذا قد يكون بسبب وجود البلاستيك الدقيق في الهواء.
بيسفينول أ (BPA) هو أحد أكثر المواد الكيميائية الموجودة في البلاستيك، إذ يوجد عادة في العبوات البلاستيكية، ويمكن أن يتسرب إلى الطعام ويتداخل مع الهرمونات التناسلية ويؤدي الى انخفاض الخصوبة عند الرجال والنساء.
بما أن أعلى تركيزات من المواد البلاستيكية الدقيقة في سلسلة الغذاء توجد في الأسماك، وخصوصاً المحار، لذا ينصح بالتأكد من اختيار المحار عالي الجودة وشرائه من مصادر معروفة. ولأن بعض المواد البلاستيكية يمكن أن تتسرب إلى الطعام من العبوات البلاستيكية، ينصح بالحد من استخدام أغلفة الطعام البلاستيكية أو تغليف الطعام بالبلاستيك واستبدالها بالأواني والعبوات الزجاجية أو المعدنية.