بمجرد أن تطأ قدماك هذه البقعة من مدينة وجدة، في الجهة الشرقية من المغرب، تجد نفسك وقد انتقلت إلى زمن آخر، إلى قرابة 700 عام مضت. ليس فقط لأنك ترى بعض لمسات هذا الزمن السابق على الجدران؛ لكن لأنك أيضاً سترى وتسمع آلات وموسيقى تنتمي إليه. ربما يكون وجه الاختلاف الأبرز، أنك ترى فتيات وفتياناً، يرتدون الأزياء العصرية.
هنا، في مبنى "جمعية نسيم الأندلس للطرب الغرناطي"، في وجدة، ثمة برنامج واضح، يشير إليه الجمعية التي تهدف إلى أن تحافظ، مع شيء من التطوير، على هذا اللون من الطرب والموسيقى.
يقول رئيس الجمعية، الموسيقي عمر شهيد، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن الجمعية تعمل منذ تأسيسها في عام 2005، على نشر هذا التراث الثمين، بتكوين أجيال متتالية لحمل مشعل هذا التراث؛ إذ يلتحق، سنوياً، بالمدرسة التابعة للجمعية، وكذلك بجمعيات ومعاهد أخرى، أعداد كبيرة من الطلبة من الذكور والإناث، وذلك إما بطلب منا، أو برغبة من المتقدمين، والمتقدمات.
يضيف شهيد: "لقد احتضنت مدينة وجدة الطرب الغرناطي مند القدم، ولعل ذلك بفضل الهجرات الأندلسية إلى المغرب العربي، خاصة المغرب وتونس والجزائر، بعد سقوط غرناطة التي تسمى بالفردوس المفقود، وقد كونت لنا ثلاث مدارس؛ وهي موسيقى الآلة والموسيقى الأندلسية الشهيرة بالمغرب، والمعروفة بعدد من مناطق المغرب، والموسيقى الكلاسيكية الشهيرة في الجزائر، وموسيقى المالوف في تونس".
يشير شهيد، إلى أنه بحكم أن وجدة مدينة حدودية، وبحكم قربها من مدينة الأندلس؛ فقد دخل عدد من المسلمين هذه المنطقة، وأدخلوا معهم ثقافتهم وتقاليدهم، وكان من ضمنها هذا التراث الجميل، أي الموسيقى الغرناطية، ولعل اول جمعية تأسست للموسيقى والطرب الغرناطي كانت في وجدة عام 1921، وأُطلق عليها اسم الجمعية الأندلسية للطرب والمسرح والآداب.
في هذا السياق، نسأل شهيد: ما هي أهم النشاطات والمشاركات التي تقوم بها الجمعية؟ ليجيب: "حفاظاً على هذا التراث، تسهر الجمعية على تنظيم مهرجان سنوي يعرف دورته الحادية عشرة في شهر مارس/آذار من كل عام؛ مهرجان ذو طابع غرناطي، يحضره فنانون من مختلف البلدان العربية ومدن المغرب، وتميزه سهرات غرناطية من عدة فرق وندوات، وتشارك فيه أيضاً كل سنة فرقة نسيم الأندلس التابعة للجمعية.
وقد شاركت فرقة نسيم الأندلس في عدة تظاهرات من أبرزها: المهرجان المغاربي للموسيقى الأندلسية بتلمسان بالجزائر 2011، ومهرجان الموسيقى التقليدية ببجاية بالجزائر 2012، ومهرجان أندلسيات القليعة بالجزائر 2014، ومهرجان الموسيقى الأندلسية بإشبيلية بإسبانيا 2015.
أما على الصعيد الوطني، فللجمعية سجل حافل في هذا الميدان، حيث شاركت في العديد من المهرجانات في فاس، ومكناس، والرباط، وطنجة، وتطوان، وشفشاون، وسلا، ومراكش، والدار البيضاء.
في ما يخص الموسيقى الغرناطية وتعريفها، يقول شهيد إنها تتميز بعدة ألحان، يطلق عليها اسم النوبة الكاملة التي تتكون من خمسة أجزاء. وتتميز أيضاً بإيقاعها المتفرد، الذي يجمع بين آلة العود والكمان والغيتار والمندولين، وما يسمى أيضاً عند الوجديين بآلة كاط كاط وآلة فيولون والناي، والإيقاع، وآلة البيانو مع أناشيد وأغاني تنشدها الفرقة.
وتتميز فرقة الغرناطي أيضاً بزيها التقليدي؛ إذ يعتمر الذكور طربوشاً أحمر، ويرتدون جلباباً. أما بالنسبة للإناث؛ فلباسهن وجديّ بحت، يُطلق عليه اسم كاراكوا.
بعيداً عن الحفلات، كيف ترى حضور الطرب الغرناطي في المجتمع المغربي عامة والوجدي خاصة؟ نسأل شهيد. يقول: "لقد كان للغرناطي حضور في الأعراس والحفلات الوجدية؛ إذ كان لا يمكن أن يقام عرس في وجدة، إلا وتحضره فرقة الطرب الغرناطي.
لكن، مع الأسف، أصبح هذا التراث يندثر، ولم يعد له حضور كبير في الأعراس الوجدية. نجده أحياناً لدى بعض العائلات وجدية الأصل، التي لا تزال تحافظ على هذا التراث". يضيف: "للأسف، لا يلقى هذا التراث دعماً من الحكومة، ولم يأخذ حقه اللائق من الاهتمام مثل باقي الفنون؛ إذ نعتمد فقط على تبرعات بعض المحبين والمولعين بهذا الفن".
أما رانيا الصبان فتحكي عن سبب اختيارها تعلم هذا الفن تحديداً، رغم عدم انتشاره: "أجد أنّه من الفنون الأصيلة الراقية والمعروفة، خصوصاً في منطقة المغرب العربي وفي مدينة وجدة التي أنتمي إليها، وقد اعتادت اذني الاستماع إليه منذ الطفولة، فأبي كان عازفاً على آلة العود وكنت دائماً معجبة بطريقة إنشاده للقصائد الغرناطية".
أما المتدربة ماجدة الماحي، فتقول "كان عندي ميول للموسيقى الغربية ولكن مع الوقت بدأت أتعرف على الطرب الغرناطي المعروف في وجدة من خلال مشاهدة بعض الفيديوهات وبات عندي حب الاستطلاع أكثر للتعرف على هذا التراث الجميل.