إنّه موسم الجوائز السينمائية في الغرب، ومفردة "موسم" مُلائمةٌ تماماً، لأنّ الجوائز تلك، التي يُفترض بها أنْ تكون الأولى والأساسية والأهمّ في صناعة السينما، تُمنَح في الثلث الأول من كلّ عام. الجوائز هذه لا علاقة لها بتلك الممنوحة في مهرجانات، إذْ لها مؤسّسات وقوانين مستقلّة تماماً، رغم أنّ هناك مشتركاً، واحداً على الأقلّ، يكتشفه متابعٌ ـ متابعة، الهمّ الأول والأصيل لهما كامنٌ في النتاج السينمائي بحدّ ذاته، لا في "مكافآت" تُشبه ما يُمنح لطفلٍ ـ طفلة، "يُنفِّذان" المطلوب منهما، لنيل المُبتغى.
المشترك كامنٌ في أنّ الجائزة غير حاجبةٍ المُنجز السينمائي وصانعه (في المهن السينمائية كلّها)، الذي (المُنجز) يبقى أهمّ من أهمّ جائزة في العالم، خاصة إنْ يكن آسراً ومُحرّضاً على نقاشٍ ومُتع، وإنْ تكن المسائل المطروحة في بعض هذا المُنجز، على الأقلّ، مأخوذة من واقع مليء بقهر وجراح ومخاوف وكوابيس. أفلامٌ كثيرة غير فائزة بأي جائزة، مستقلّة أو ممنوحة في مهرجانات، مع أنّها مُهمّة سينمائياً، ولا تزال ماثلةً في وجدان وذاكرة وتاريخ وثقافة وحياة. تماماً كصانعي هذا المُنجز وصانعاته: كثيرون وكثيرات "يستحقّون" جوائز، لأنّ غير مستحقّين إياها ينالونها أحياناً.
لكنْ، أصحيحٌ أنّ هؤلاء راغبون وراغبات في جوائز، مستقلّة أو ممنوحة في مهرجانات، فعلياً؟ ألن يكون الاشتغال، بجمالياته وعاديّاته، أهمّ جائزة يمنحها السينمائيّ ـ السينمائيّة لنفسه؟ أليس الابتكار والتجديد، أو الجهد الدائم في ابتكار وتجديد، أفضل جائزة من كلّ الجوائز الأخرى؟ ألن تكون مُشاهَدة المُنجز، والتفاعل معه، إيجاباً أو سلباً، عبر نقاش وحوار وتواصل، أجمل جائزة يحصل عليها سينمائيّ وسينمائيّة؟
هذه تساؤلات غير تنظيرية وغير متشاوفة، ولا علاقة لها بثرثرةٍ أو ادّعاء، لأنّها واقعية، ومستلّة من حقائق متداولة ومعروفة وصادقة، يقول بها من يصنع مُنجزاً، ومن يُشاهده، ومن يكتب عنه، ومن يناقشه. تساؤلات تُطرح في الموسم السنوي لجوائز، لن تُلهي مهتمّاً بالسينما، وشغوفاً بأفلامها، ومتابعاً مساراتها وأحوالها، عن المُنجز بحدّ ذاته. فجوائز كهذه، مستقلّة أو ممنوحة في مهرجانات، لن تحول دون اكتشاف المُنجز، والمُشاهدة وحدها كفيلةٌ بتبيان مدى حضوره في المُشاهِد ـ المُشاهِدة، أو عدم حضوره.
الجوائز تلك عديدة، بعضها أشهر وأكثر شعبية من غيرها، رغم أنّها متساوية مع هذا البعض، فكلّ منها مهمٌّ في بلدها بالنسبة إلى صناعة السينما في ذاك البلد، لكنّها تفقد شعبيتها الدولية. الأشهر والأكثر شعبية متمثّلان بـ"أوسكار" الهوليوودية و"غولدن غلوب" الأميركية، تليهما "سيزار" الفرنسية. المشكلة، في مهنة الصحافة والإعلام العربيّين تحديداً، أنّ جوائز أخرى، لا تقلّ أهمية عن هذه بالنسبة إلى صناعة السينما في بلادٍ تصنع سينما، غير مُثيرة لأدنى اهتمامٍ يتجاوز خبراً يُنشر أو يُبثّ هنا وهناك. كما أنّ نقّاداً وصحافيين ـ صحافيات سينمائيين ينسون (أم أنّهم يتغاضون؟) أنّ هناك جوائز يُفترض بهم الاهتمام بها، كاهتمامهم ـ اهتمامهنّ بـ"أوسكار" و"غولدن غلوب" و"سيزار"، خارج المهنة البحتة، التي تتطلّب نشر خبرٍ عنها، على الأقلّ. مثلاً: "بافتا" البريطانية، و"غويا" الإسبانية، مع أنّ الأولى حاضرةٌ في المهنة أكثر من الثانية.
كتابة خبر، أو تحريره، واجبٌ مهني. الطامة الكبرى، أنّ عاملين وعاملات في الصحافة والإعلام العربيّين غير مهنيّين، وغير متمكّنين من كتابة خبر من دون أخطاء، ومن تحريره فيُنشر بأخطائه غالباً. نشر معلوماتٍ، مع شيءٍ من تحليل، إضافة مهنيّة مرغوبٌ فيها. لكنّ سؤالاً يُلحّ: ما فائدة تحليلٍ أو قراءة لنتائج، يُقرّرها أفرادٌ، لكلّ واحد منهم ـ منهنّ مزاج وثقافة سينمائيّان، يختلفان بين واحدٍ وآخر؟ سؤال ثانٍ: كيف يُمكن تحليل النتائج، وأفلامٌ فيها غير مُشاهَدة؟ أسئلة أخرى: ما فائدة هذا، والأفلام الفائزة تُشكِّل نسبةً ضئيلة جداً من الإنتاج السنوي، وكثيرٌ في ذاك الإنتاج أهمّ من المختار لترشيح رسمي، ولفوز لاحق عليه؟ ما فائدة هذا، والترشيح نفسه ينتقيه عاملون ـ عاملات في صناعة السينما، سيكون عددهم دائماً أقلّ بكثير من آخرين وأخريات يُشاهدون ويتابعون ويحلّلون ويناقشون؟ ما فائدة هذا، و"كبار" (رغم كرهي الشديد لمفردة كهذه) غير مُرشَّحين البتّة لأي جائزة، في سِيَرهم ـ سيرَهنّ المهنية، ولهم ـ لهنّ أفلامٌ أهمّ بكثير من تلك المُرسَلة بهدف الاختيار، والمُختارة، ثم تلك المُرشَّحة رسمياً، فالفائزة؟
كلّ بلدٍ، ذي صناعة سينمائية، فيه جوائز تمنحها مؤسّسة خاصة. "أوسكار" هوليوود أكثرها شعبية في العالم. للـ"سيزار" رابطٌ مع الفرنكوفونية، وفي بلدان عربية، تحضر الفرنكوفونية في شؤون أدبية وفنية وعلمية وأكاديمية. رغم هذا، لن تخرج الجوائز من آنيّتها، مع أنّها تمنح الفائزين والفائزات مكانة أقوى وأكبر في الصناعة، فهذا متعلّقٌ بنظام متماسك، معمول به منذ أعوام، وارتباطه بالاقتصاد والتجارة والمال أقوى بكثير من مضمون "إبداعي" (هذه مفردة أخرى أكره استخدامها، لكنْ لا بديل عنها للتعبير عمّا يُصنع ويُنجز). أي أنّ أهمية الجائزة السينمائية محصورة في آليات عملٍ، فالفوز بها "يمنح"، أحياناً، مكانةً أكبر في الصناعة للفائز ـ الفائزة.
مع بداية كلّ عام، تُنشر "توقّعات" لنقّاد وصحافيين ـ صحافيات، تتعلّق بفوزٍ ما. أهذا مهمٌّ في النقد والصحافة السينمائيّين، أمْ "تسليةٌ" يراد لها ملء فراغٍ في صفحة أو فقرة في برنامج؟ أتكون الجوائز مهمّة، فعلياً، لغير المعنيّ ـ المعنيّة بها مباشرة، لأهداف لا علاقة لها بـ"الإبداع" السينمائي؟