أمرت السلطات الهندية بإخضاع الصفحات الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي ومنصات البثّ التدفقي مثل "نتفليكس" و"أمازون برايم" للتنظيم الحكومي، مما أثار المخاوف إزاء تصاعد الرقابة على الوسائط الرقمية.
وبموجب القرار الجديد، ستكون وزارة الإعلام والبثّ الإذاعي التي تنظم وتراقب الصحف المطبوعة والقنوات التلفزيونية والسينما والمسارح صاحبة السلطة على الأخبار الرقمية ومنصات الترفيه في الهند.
وجاء القرار بناءً على جهود حزب "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي الحاكم الذي ينظر إلى العالم الرقمي على أنه أكثر كسراً للقيود ويوفر مساحة للصحافة النقدية والترفيهية أكثر من وسائل الإعلام التقليدية. ومن المرجح تمريره إلى قانون في البرلمان خلال الأسبوع الحالي.
وقد أفادت منظمة "فريدوم هاوس" غير الحكومية بأن حرية الإنترنت في الهند تراجعت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وبأن هناك مخاوف من أن القرار الجديد يتنبأ بنهاية العالم الرقمي كأحد المعاقل الأخيرة للمعارضة الصحافية والإبداعية في البلاد.
وكانت المجموعات اليمينية قد شنت منذ شهور حملات لإخضاع منصات بث المحتوى الترفيهي والأفلام عبر الإنترنت، مثل "نتفليكس" و"أمازون برايم"، لقواعد الرقابة المفروضة على التلفزيون والأفلام. وهذه الخدمات تحظى بشعبية واسعة في البلاد حيث تجاوز عدد المشتركين في "نتفليكس" الـ25 مليون شخص.
وحتى الآن كانت وزارة التكنولوجيا تشرف على الأخبار والمحتوى الترفيهي على الإنترنت، ولا تتدخل فيه أو تنظمه. والمسلسلات أو الأفلام الهندية التي أنشأتها منصات البثّ، مثل Paatal Lok وSacred Games وLeila وRasbhari، لم تكن مجبرة على الالتزام بالمعايير المفروضة على الوسائط التقليدية، فتناولت مواضيع الجنس والعنف الجنسي ورهاب المثلية والتفاوت الطبقي، إضافة إلى مواضيع حساسة سياسياً مثل القومية الهندوسية واضطهاد المسلمين.
وعن القرار الجديد، قال الناشط في مجال الحقوق الرقمية ومؤسس بوابة الأخبار "ميدياناما" MediaNama، نيكيل باوا، إن "هناك خوفاً من أننا سنشهد ممارسة أكبر للسيطرة الحكومية والرقابة"، مع تولي وزارة الإعلام والبث الإذاعي السيطرة على المحتوى الرقمي.
وأوضح باوا، في حديثه لصحيفة "ذا غارديان" يوم الأربعاء، أن القرار يعني أن "الوزارة يمكنها فرض أي صيغة للرقابة الذاتية على منصات البثّ، مما سيؤدي إلى مزيد من الرقابة على محتوى هذه المنصات وسيمنح الحكومة سلطة أكبر لإجبار منصات البثّ على الاستجابة لشكاواها".
لم تعلق شركتا "أمازون" و"نتفليكس" على القرار، علماً أن الأخيرة ضخت نصف مليار دولار أميركي في عملياتها الهندية أخيراً، ويتوقع أنها ستمتثل لأي إجراء حكومي.
كما اعتبر إدراج بوابات الأخبار الرقمية في القرار الجديد مثيراً للقلق وجزءاً من تحركات الحكومة المستمرة لإحكام سيطرتها على الأخبار التي تنشر عبر شبكة الإنترنت. الشهر الماضي، مُرّر قانون ينص على أن منصات الأخبار الرقمية لا يمكن أن يكون لديها أكثر من 26 في المائة من الاستثمار الأجنبي.
ويُشار إلى أن وسائل الإعلام التقليدية في الهند موالية للحكومة وتخضع لضغوط شرسة، بينما منصات الأخبار على الإنترنت مثل "ذا واير" The Wire و"سكرول. إن" Scroll.in أكثر انتقاداً لحكومة حزب "بهاراتيا جاناتا" والأجندة القومية الهندوسية لرئيس الوزراء ناريندرا مودي.
تخضع هذه المواقع الإخبارية أصلاً لرقابة شديدة، إذ يتعين عليها الامتثال لنفس قوانين وسائل الإعلام والتشهير مثل المؤسسات الإخبارية التقليدية، كما تخضع لقانون تكنولوجيا المعلومات الذي غالباً ما يستخدم لاستهداف الصحافيين الذين يقدمون تغطية نقدية وتوجيه الاتهامات إليهم. ورغم هذه القيود، قد يجبر القرار الجديد منصات الأخبار الرقمية على التسجيل لدى الحكومة بنفس الطريقة التي يتعين على المؤسسات الإخبارية التقليدية اتباعها.
وفي هذا السياق، قال رئيس تحرير موقع "ذا واير" الذي وُجهت إليه اتهامات جنائية عدة بسبب تغطيته المناهضة للحكومة، سيدارث فاراداراجن، إن "الحكومة تزعم منذ فترة أن الأخبار التي تنشر عبر الإنترنت مثل الغرب المتوحش الذي لا يخضع لأي قيود. وهذه المزاعم غير منطقية، لأن الدستور يضمن حرية التعبير وحرية الصحافة، والأمر ينطبق على المواقع الإخبارية، مثلما ينطبق على الصحف والقنوات التلفزيونية. لكن ما يزعج الحكومة هو استخدامنا لحريتنا في طرح الأسئلة ومتابعة القصص التي تتخلى عنها وسائل الإعلام الكبيرة أكثر فأكثر".
وأضاف فاراداراجن، في حديثه لـ"ذا غارديان" يوم الأربعاء، أن "كل ما تقدم عليه الحكومة وراءه هدف ما. وأتصور أن القرار الجديد تمهيد لصياغة، أو حتى إصدار، قانون جديد لـ(تنظيم المواقع الإخبارية). لا يوجد بلد ديمقراطي يقدم على خطوة كهذه".
ستخضع مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر" أيضاً للقرار الجديد، على الرغم من أن تفاصيل تنفيذ هذه الإجراءات غير واضحة. وقالت الحكومة إن تفاصيل القانون ستعلن هذا الأسبوع.