انتقادات لمجلة طبية أميركية تجاهلت غزة مقابل التذكير بالصمت الدولي حول المحرقة النازية

21 أكتوبر 2024
فلسطينيون أمام مبنى مستشفى الشفاء المدمر في غزة، 1 إبريل 2024 (عبد القادر صبّاح/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- قدم الباحثان جويل أبي راشد وآلان براندت ورقة بحثية تنتقد صمت مجلة نيو إنغلاند الطبية تجاه سياسات النظام النازي وتجاهلها لتدمير الاحتلال الإسرائيلي لنظام الرعاية الصحية في غزة، مما أثار ردود فعل قوية بين الأطباء والخبراء.
- أكدت أبي راشد أن العنف في غزة يعكس تآكلاً للقوانين الدولية، ووصفت الوضع بأنه أزمة أخلاقية واضحة، مشيرة إلى انتهاكات الحياد الطبي واستهداف العاملين في الرعاية الصحية.
- اعترف رئيس تحرير المجلة بعدم نشر أعمال عن غزة، لكنه أبدى انفتاحه على الفكرة، مشيراً إلى صعوبة العثور على صوت فريد حول الموضوع.

خلال ندوة عقدتها مجلة نيو إنغلاند الطبية، الأسبوع الماضي، قدم الباحثان جويل أبي راشد وآلان براندت نتائج ورقتهما البحثية عن تغطية المجلة التي اتسمت بالصمت حول سياسات النظام النازي في ألمانيا خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، وقارناها بتجاهل القائمين عليها اليوم للتدمير الممنهج الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد نظام الرعاية الصحية في قطاع غزة منذ العام الماضي، بحسب موقع ذا إنترسبت.

وكان المقال المنشور في مارس/آذار الماضي قد سلّط الضوء على كيفية تجاهل "نيو إنغلاند" التطرق إلى عمليات القتل الجماعي التي مارسها النازيون والتجارب الطبية التي أجروها على ضحاياهم، ضمن نظام صحي نازي وعنصري ومعادٍ للسامية، بل إنّ المجلة أشادت في إحدى المرات بنظام الرعاية الصحية الألماني قبيل الحرب العالمية الثانية لمقارباته لموضوع الصحة العامة.

وفي الندوة التي عقدت الأربعاء الماضي، تساءلت أبي راشد: "هل صمت المجلة حول تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة، والهجوم الإسرائيلي المستمر على العاملين في مجال الرعاية الصحية وخلق كارثة صحية وإنسانية عامة وتسليح المجاعة، مماثلٌ أو مختلفٌ عن صمتها أثناء المحرقة النازية؟".

وأضافت الباحثة اللبنانية التي شاركت عبر تقنية الفيديو من باريس: "ما الذي يفسر محو محنة الفلسطينيين من صفحات المجلة؟ ماذا نعني بالمحددات السياسية للصحة إذا تجاهلنا على وجه التحديد محنة وصحة ورفاهية السكان المهمشين والضعفاء؟".

وحذرت أبي راشد التي غادرت لبنان مؤخراً مع اشتداد وتيرة العدوان الإسرائيلي إلى أن مستويات العنف والتدمير التي يمارسها الاحتلال في غزة بحق القطاع الطبي تعكس "تآكلاً كبيراً" للقوانين والإطار الإنساني الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية.

وأشارت إلى أنّ ورقتها البحثية مع براندت، "أثارت ردات فعل قوية بين الأطباء والخبراء والعاملين في مجال الرعاية الصحية، وحتى عامة الناس، الذين شعروا بالفزع من صمت المجلة في ما يتعلق بمعاناة الفلسطينيين". كما رأت أنّ دور المؤرخين والمجلات الطبية والجامعات هو التحدث بصراحة وطرح الأسئلة للحساب في الماضي والحاضر.

ووصفت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة بأنّها "الأزمة الأكثر وضوحاً وأخلاقية في عصرنا". تابعت: "إن ما يحدث اليوم في غزة غير مسبوق. إن انتهاكات مبادئ الحياد الطبي التي تنص حماية حق الوصول إلى الرعاية الطبية خلال الحرب، تتجاوز ما شهدته السلفادور وتشيلي ونيكاراغوا وغواتيمالا وسوريا والسودان وأوكرانيا". أضافت: "نحن نشهد اليوم نفس الاستهداف المتعمد والمنهجي للعاملين في مجال الرعاية الصحية، ليس فقط في غزة، بل في لبنان الذي توسع فيه الصراع أيضاً".

ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان نظام الرعاية الصحية في غزة هدفاً رئيسياً لجنود الاحتلال وطائراته الحربية. كانت مجزرة المستشفى المعمداني التي أدت إلى استشهاد قرابة 500 شخص، معظمهم من النساء والأطفال، في مطلع الحرب تمهيداً لما سيجري.

في المحصلة، دمر الاحتلال حتى الآن 34 مستشفى وأخرجها عن الخدمة، واستهدف 162 مؤسسة صحية، وأخرج 80 مركزاً صحياً عن الخدمة، و131 سيارة إسعاف، فيما استشهد قرابة 1000 شخص من الأطباء والعاملين في الطواقم الطبية، فضلاً عن اعتقال 310 آخرين، وفق إحصائية صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

وفي السابع من أكتوبر الحالي، قصفت مسيّرة إسرائيلية خيماً للنازحين داخل أسوار مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح، ممّا أدى إلى استشهاد أربعة فلسطينيين نازحين حرقاً حتى الموت، إضافةً إلى إصابة أكثر من 40 شخصاً بجروح وحروق، وفق بيان وزارة الصحة الفلسطينية.

بحسب "ذا إنترسبت"، حظيت مقالة أبي راشد وبراندت "النازية والمجلة"، باهتمام واسع النطاق بعد صدورها. وفي حين نالت تأييداً من عددٍ كبير من الأطباء، أثارت ردات فعل سلبية بين الخبراء الطبيين من مؤيدي إسرائيل. لكن مع انتهاء المحاضرة الأربعاء، اندلع التصفيق في غرفة المؤتمرات في مكتبة كاونتواي بالمدرسة.

واعترف رئيس تحرير مجلة نيو إنغلاند الطبية، إريك روبين، أنّ المجلة لم تنشر بعد أي أعمال عن غزة، مضيفاً: "هذا لا يعني أننا لن ننشر عن غزة"، ولفت إلى أنه منفتح على الفكرة، مع أنّه "من الصعب العثور على صوت فريد حول هذا الموضوع"، بحسب تعبيره.

وتابع: "في رأيي، لا يكفي أن نقول إن الهجمات على المستشفيات سيئة. لقد قيل هذا في كل مكان، ونحن لن نكون فريدين في حال قلنا ذلك. إذن ما الذي يمكننا قوله والذي سيغير تفكير الناس؟ لست متأكداً من ذلك، ونود أن نكون قادرين على خلق منظور فريد من نوعه. لا أعتقد أننا رأينا ذلك بعد وأعتقد أن هذا ما نبحث عنه". كما أقرّ بإمكانية حدوث ردات فعل سلبية، لافتاً إلى أنه بعد نشر العدد الذي تضمن مقال أبي راشد وبراندت، ألغى عدد من القراء اشتراكاتهم احتجاجاً.

وكانت أبي راشد قد ردّت خلال المحاضرة على ادعاء من أحد الحاضرين المؤيدين لإسرائيل أن الحياد الطبي "يُدمر من الجانبين"، معتبرةً كلامه "خطيراً بعض الشيء". كما أشارت إلى أنّ تبرير قصف المستشفيات من خلال ادعاء وجود مقاتلين أو مسلحين يتلقون العلاج داخلها، "هو ما كان يستخدمه الفاشيون حجةً عبر التاريخ"، مقتبسةً من تصريح للدكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني يبرّر فيه حملة القصف على المستشفيات الإثيوبية في ثلاثينيات القرن العشرين.

المساهمون