يترقب أهالي مدينة الموصل شمالي العراق، منذ عدة أسابيع، تنفيذ الحكومة وعودها بشأن إعادة تأهيل وصيانة المناطق الأثرية والتاريخية، ومن بينها قلعة باشطابيا الأثرية، المُطلة على نهر دجلة من الضفة الغربية والواقعة في مركز المدينة.
وتُعَد قلعة باشطابيا من المواقع المهمة التي اقترن بها تاريخ الموصل وحاضرها، وهو ما يفسّر الرغبة بتأهيل القلعة الأثرية والحفاظ عليها من الانهيار بفعل تأثير العوامل الطبيعية، في ظل الإهمال الحكومي للموقع طيلة السنوات الماضية.
وتشير المراجع التاريخية إلى أن اسم القلعة (باشطابيا) يعود إلى اللغة تركية، وتتألف من مفردتي (باش- الرئيس) و(طابيا-البرج)، وسُميّت بهذا الاسم لأنها تقع في أعلى نقطة في الموصل القديمة على ارتفاع 75 قدماً من مستوى سطح البحر من جهة اليابسة، و150 قدماً من جهة نهر دجلة.
ويعود بناء القلعة إلى العصر الأشوري، إذ كانت الجزء الرئيسي من سور المدينة الذي يسمح بالإشراف والرقابة لحماية المدينة.
وأُعيد بناء القلعة في العهد الأموي عام 126 هجرية، وبقيت شاخصة حتى عام 450 هجرية، عندما تعرّضت للهدم على يد البساسيري، المملوك التركي لأمير البويهيين في العراق بهاء الدولة البويهي، وأعيد إعمار القلعة بعد 25 عاماً في عهد الدولة الأتابكية، وكانت الحصن الشرقي لتلك الدولة، لكنها هدمت في حملة هولاكو عام 660 للهجرة، وبعدها حملة تيمورلنك عام 726 هجرية، وأعيد إعمارها في القرن 16 للميلاد خلال حكم الدولة العثمانية على يد الوالي باشا إسماعيل الموصلي، كما أعيد ترميمها في القرن 17 للميلاد، من قبل حسين باشا الجليلي، الوالي العثماني على الموصل.
أهمية قلعة باشطابيا التاريخية
تعتبر قلعة باشطابيا الجزء المتبقي من سور الموصل. وهي إحدى المعالم الأصيلة التي تمثل شخصية المدينة، وكانت تزدحم بالسياح إلى 2003، عام بدء الاحتلال الأميركي للعراق.
وينظر أهل الموصل إلى القلعة باعتزاز وفخر كبيرين، لأنها الشاهد التاريخي الأكثر قدماً، إلى جانب تخليدها حصار الموصل وانتصار المدينة على حملات نادر شاه سنة 1743، إذ كانت مركزاً لقيادة المعركة مع حسين باشا الجليلي، وبعد أشهر من حصار الموصل بثلاثمئة ألف مقاتل من جيشه، فشل نادر شاه في احتلال المدينة، ورُفع الحصار عنها في نفس العام بعد توقيع الصلح.
وبعد عام 2003 والانهيار الأمني، تعرّضت القلعة للإهمال وبقيت مكاناً مهجوراً لحين استغلاله من الشرطة العراقية، التي حوّلته إلى مقر لأحد أفواجها قبل 2014. وطيلة هذه الفترة، مُنع الزوار من دخول القلعة على اعتبار أنها منطقة عسكرية.
قلعة باشطابيا في وضع خطير
يقول أستاذ الصيانة والترميم في كلية الآثار بجامعة الموصل مروان سالم العنزي إن "قلعة باشطابيا تتميز بأهمية تاريخية يعود بناؤها إلى العصر الأشوري، وهو ما دلّت عليه بقايا الآثار التي اكتُشفت في القرن الماضي، والتي أظهرت القلعة كحامية عسكرية للمدينة".
وأضاف العنزي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القلعة استُغلت في العصر الإسلامي، إذ أعيد بناؤها في العصر الأموي"، مبيناً أنها بقيت تستغل في العصر العثماني وأعيد تشييدها في زمن الوالي العثماني على الموصل حسين باشا الجليلي.
ولَفَت إلى أن موقع القلعة المتميز المطل على نهر دجلة والواقع في أعلى نقطة مرتفعة، منح القلعة الأهمية الاستراتيجية والعسكرية، مشيراً إلى أن قلعة باشطابيا استغلت في العصور المختلفة كقلعة عسكرية أو مقراً لإقامة الولاة المتعاقبين على حكم المدينة.
وبشأن وضع القلعة في الوقت الحالي، أكد أستاذ الصيانة والترميم في كلية الآثار بجامعة الموصل أن القلعة في وضع خطير ومهددة بالانهيار والسقوط، نتيجة الإهمال الكبير في الفترات الزمنية الماضية، وعدم معالجة التأثيرات الطبيعية على القلعة.
وبيّن أن العوامل الطبيعية والجوية المتعاقبة، وقرب باشطابيا من حافة نهر دجلة، تسبّبت بتقادم المواد الإنشائية للقلعة وزحف وانجراف الطبقة الصخرية التي ترتكز عليها القلعة وبرجها، وبالتالي ميلان البرج نحو الجهة الغربية وانفصاله عن القلعة بصورة كاملة، حيث أصبح قائماً بذاته.
وحذّر العنزي من أن عدم الإسراع في ترميم وتأهيل القلعة وإسناد البرج بصورة صحيحة سيؤدي إلى انهيار هذا المعلم التاريخي المهم، مشيراً إلى أن القلعة، على الرغم من عدم تعرضها المباشر للقصف أو الاستهداف العسكري، تأثّرت بشكل كبير جرّاء عمليات القصف على المدينة، كما أن حركة الآليات العسكرية والمدنية بالقرب منها أثرت سلباً على وضع القلعة.
خطوات نحو إعمار باشطابيا
من جهته، أعلن مدير دائرة الآثار والتراث بمحافظة نينوى رويد موفق الليلة عن توقيع عقد بين وزارة الثقافة ومنظمة يونسكو، يتضمن إعمار القلعة وبرجها، وتأهيل الموقع سياحياً عبر 4 مراحل متعاقبة.
وقال موفق الليلة، لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة الثقافة والآثار تبنّت خطة لإعمار قلعة باشطابيا وموقع قره سراي، المجاور للقلعة في الجانب الأيمن لمدينة الموصل، وذلك نظرا لأهمية هذه المواقع من الناحية التاريخية".
وأوضح أن العقد بين وزارة الثقافة ويونسكو يتضمن إشراف المنظمة الدولية على إعمار وتأهيل قلعة باشطابيا، فيما يكون التمويل عراقياً من قبل الوزارة ومحافظة نينوى، وأشار إلى أن المراحل التي من المقرّر إعمار القلعة من خلالها تبدأ بإجراء الفحوصات المختبرية للتربة والقاعدة الصخرية التي ترتكز عليها القلعة، ومن ثم البدء بإعداد الدراسات الخاصة بإعمارها من قبل خبراء مختصين من جامعة الموصل ويونسكو.
وبينما تكون المرحلة الثالثة المباشرة بأعمال ترميم القلعة والبرج وإسنادها بشكل هندسي وفني، من أجل ضمان الحفاظ على جسم القلعة من الانهيار، تتضمن المرحلة الرابعة تأهيل موقع القلعة سياحياً من أجل افتتاحه أمام الزائرين والسياح.
ولم يحدد موعد زمني للمباشرة بالأعمال أو تأهيل القلعة، إلا أن موفق الليلة أشار إلى أن الفترة القريبة المقبلة ستشهد البدء بهذا المشروع.
وبخصوص استقبال باشطابيا للزائرين في الوقت الحالي، أكد مدير مفتشية تراث وآثار نينوى أن القلعة تستقبل بشكل متواصل الزائرين العراقيين والأجانب، وذلك بعد إجراء التنسيق المسبق بين دائرة الآثار والقوات الأمنية التي تتولى حماية تلك المواقع.
وبشأن وجود السياج المحيط بالقلعة ومنع دخول الأشخاص إليها من دون تنسيق مسبق، أوضح أن الغرض من ذلك هو حماية الموقع التاريخي من العبث والتخريب.
مخاوف موصلية
أما الصحافي الموصلي محمد سالم، الذي يسكن في منطقة مجاورة للقلعة، فيؤكد على أهمية المباشرة السريعة بإعمار وتأهيل القلعة لمنع انهيارها.
وقال سالم لـ"العربي الجديد" إن "الموصل فجعت من الناحية التاريخية باستهداف الجامع النوري والمنارة الحدباء خلال العمليات العسكرية عام 2017، ونخشى أن تفجع المدينة مرة ثانية بقلعة باشطابيا التي يفتخر بها أهالي الموصل، على اعتبار أنها الشاهد الوحيد على انتصار الموصل على حملة نادر شاه قبل 4 قرون".
ولفت الصحافي الموصلي إلى أهمية أن تبادر وزارة الثقافة بخطوات سريعة للعمل على تأهيل القلعة وإعادة افتتاحها أمام الزائرين، كونها أحد المعالم التي تبرز هوية الموصل الأثرية والتاريخية.