المدن كما الأشخاص، بعضها يُحسن تسويقه فيلمع، ربما أكثر مما يستحق، ومدن تهمل، لسبب أو لآخر، فيتم تناسيها.
ولعل ولاية بتليس، جنوب شرقي تركيا، خير مثال على المدن التي تناساها الجميع، رغم عمرها الذي يتجاوز سبعة آلاف سنة، وما تركته فيها الحضارات والإمبراطوريات المتعاقبة (ميديا، الفرس، المقدونيون، الرومان، البيزنطيون، السلاجقة وأخيراً العثمانيون). ولكل من تلك الحضارات آثار ودلائل، تجعل بتليس، وبجدارة، متحفاً مدهشاً مفتوحاً في الهواء الطلق، ينتظر من ينفض الغبار عنه ويقدمه للباحثين والسياح ومن يهمهم الأمر.
لنهرب من الغوص في مستنقعات آثار بتليس، من بحيرة وان المصنفة أكبر بحيرة مالحة في تركيا، وبحيرات "آرين" و"آيغر" و"نازيك" التي بدأت تلقى ترويجاً ورواجاً، كما لن نصعد لجبل "سبحان" في الولاية (4058 متراً)، علّنا نفي بحيرة "نمرود" في بتليس" بعض ما تستحق، في ولاية شهدت حروباً لم تنته منذ الحضارات المتعاقبة؛ فالحرب الروسية التركية في القرن التاسع عشر، وصولاً إلى حرب الدولة التركية أخيراً على من تصفهم بالإرهابيين (حزب بي كا كا)، التي ساهمت بالابتعاد عما يمكن تسميته بحق عجائب الدنيا الغائبة عن التصنيف.
يعود اسم بحيرة نمرود التي تشكلت بانفجار جبل نمرود، إلى كلمة إسبانية معناها الدست أو الوعاء الكبير
عاد الضوء، أخيراً، إلى تلك البحيرة العجيبة، بإصدار الرئيس التركي قراراً يُعلن "نمرود" محمية حساسة خاضعة للحماية الصارمة، ما لاقى ترحيباً من سكان الولاية.
يقول المختص في السياحة فيهري آيت، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن قرار أردوغان أعاد البحيرة، بعد عام كورونا المعطل، إلى الواجهة، ليعرف من يجهل نمرود أنها ثاني أكبر بحيرة بركانية في العالم بعد بحيرة توبا في إندونيسيا، والتعرف على تنوع المياه في بحيرات ساخنة وباردة، إضافة إلى المغارة الجليدية.
ويشير آيت إلى أن بحيرة نمرود البركانية، "الكالديرا"، حازت على جائزة المثالية ضمن مشروع الوجهات الأوروبية المتميزة (إدين/ EDEN). لكن عودة الاضطرابات خلال الأعوام الأخيرة، قبل "تنظيف المنطقة من الإرهابيين"، على حد وصفه، ومن ثم عامي كورونا، أثّرت على زوار البحيرة وولاية بتليس وعموم تركيا. كما عطل ذلك مشاريع سبق أن أعلنها مدير الثقافة في الولاية رمضان كينجان حول البحيرة، قبل أن تتابع أخيراً وتعلن محمية حساسة "ستكون لها حظوة واهتمام بعد قرار الرئيس"، سواء لجهة الخدمات أو حماية التنوع النباتي والطيور.
ويعود اسم بحيرة نمرود، التي تشكلت بانفجار جبل نمرود، إلى كلمة إسبانية معناها الدست أو الوعاء الكبير، وهي تستخدم للتعبير عن الفوهات البركانية الضخمة، التي تبدو في شكل أحواض واسعة في قمم البراكين، وتشغل أحواض الكالديرا العديد من أفواه البراكين في العالم، وقد تكون بعضها نتيجة انفجارات بركانية عملاقة استطاعت تدمير قمم المخروطات البركانية القديمة.
البحيرات البركانية التي تتصدرها "نمرود"، تتوزع بين قونيا وبتليس والجبال الشاهقة بين ولايتي "طرابزون" و"بايبورت" شمال شرقي تركيا
تقريباً، لا تخلو ولاية تركية من نهر أو بحيرة، لكن البحيرات البركانية، التي تتصدرها "نمرود"، تتوزع بين قونيا وبتليس والجبال الشاهقة بين ولايتي "طرابزون" و"بايبورت" شمال شرقي تركيا، ما أعطى للمنطقة خصوصية سياحية تتفرد بها، خاصة لسياح الأمراض الجلدية والصدرية. تتوزع سبع بحيرات (أيغير، وباليقلي، وديبسيز، وإكيز، وقرة، وصاري تشيتشاك، وبير عمر) على سلسة جبال شرقي المتوسط، المعروفة بـ "جبال هالديرزان"، بالقرب من أوزونغول الشهيرة. وليأتي ما يقال إنها أجمل بحيرات تركيا، التي تبدأ من بحيرة "سبانجا" في محافظة سقاريا قرب إسطنبول، أكبر بحيرة للمياه العذبة في تركيا بمساحة تصل إلى 47 كيلومتر مربع، وبحيرة أبانت بولوغربي في مدينة بولو، فبحيرة تشلدر في ولاية أردهان شرق الأناضول، وبحيرة مكّة في مدينة هوتامش في قونية، ولا تنتهي عند بحيرة وان التي سمحت لها مساحتها الكبيرة بوجود أربعة جزر فيها، أشهرها جزيرة أكدامار التي تحتوي على الكنيسة الشهيرة.
وتندرج أكثر من 30 بحيرة في تركيا في قوائم الأدلاء السياحيين، منها طوز، بيشهير، إزنيق، كاراغول - شافات، سالدا - بوردور، لتبقى الغرابة من نصيب بحيرة تشلدر بولاية أردهان التي ترتفع ألفًا و959 متراً فوق سطح البحر، ما يحولها لقطعة جليد خلال فصل الشتاء تختص بمحبي التزلج بعربة الخيول.