بسام الذوادي (1/ 2): "اختبرتُ فنوناً كثيرة كي أصنع أفلامي بحرية"

27 ديسمبر 2024
بسام الذوادي في لقاء سينمائي في الدوحة (أندرو أيتش. واكر/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، أبدى المخرج البحريني بسام الذوادي اهتمامه بالكوميديا كوسيلة للمقاومة، متسائلاً عن إمكانية إنتاج أعمال كوميدية تتناول القضية الفلسطينية، وأعرب عن تحفظه على تصنيفات النقاد للسينما.
- يعمل الذوادي حالياً على مشروعين: مسلسل لقناة سعودية وفيلم بالتعاون مع المخرجين هناء العمير ونواف الجناحي، حيث يشارك الثلاثة في كتابة السيناريو، والمشروع بانتظار موافقة الوزارة.
- خاض الذوادي تجارب متنوعة في التمثيل والرقص والشعر لتعزيز مهاراته الإخراجية، وبدأ بصناعة أفلام قصيرة وإعلانات قبل الاتجاه للأفلام الروائية الطويلة، مما ساهم في بناء سمعته في البحرين.

دائماً تسبقه ابتسامته الودودة في لقاءاته وأحاديثه مع الأصدقاء. في لقائي به في الدورة الـ12 (4 ـ 10 أكتوبر/تشرين الأول 2024) لـ"مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي"، كان منحازاً إلى السخرية والكوميديا في نقاشاته عن القضية الفلسطينية: "متى سنرى أعمالاً كوميدية عن القضية الفلسطينية؟"، مُستشهداً بشخصيات من الواقع الفلسطيني تتحدّث عن الموت كأنّه فعل روتيني عادي، ومُدافعاً عن أن السخرية والكوميديا أحد أهم أشكال المقاومة.

نقيض هذا تماماً يتمثّل في نقاشٍ معه عن السينما وأنواعها، إذْ يظهر إنساناً آخر، على مسافة غير هيّنة من النقّاد، وغير راضٍ عن تصنيفاتهم وبعض آرائهم، رافضاً فكرة الـ"آرت هاوس" و"السينما الشعرية"، ومؤكداً أنّ السينما كلّها تجارية. يتشبّث برأيه الذي يختصر الفيلم بأنّه مجرد "سلعة (Product)".

بسام الذوادي مخرج أول فيلم روائي بحريني طويل، "الحاجز" (1990)، و"أهم فيلم بحريني" في تصنيفات نقدية: "حكاية بحرينية (2006). حالياً، يعمل على مشروعين: الأول مسلسل لصالح قناة سعودية، والثاني سينمائي يشاركه في إخراجه السعودية هناء العمير والإماراتي نواف الجناحي.

 

(*) كيف سيتمّ تقسيم العمل الإخراجي بينك وبين هناء العمير ونواف الجناحي؟ أهناك ثلاث تيمات يعمل كلّ مخرج على إحداها؟

الفيلم فكرتي. نكتب السيناريو نحن الثلاثة. ثلاث قصص اشتغلت عليها هناء العمير، ونسجتها في سيناريو واحد. كلّ مخرج يستلم الشخصيات الخاصة به. في البداية، كنت أفكر في ستة مخرجين، لكنّي غيّرت الطرح لاحقاً، وفضّلت أنْ يكونوا ثلاثة فقط، فاخترت هناء ونواف، اللذين يعملان معي لإنجاز المهمة. انتهينا من الكتابة. وضعنا الميزانيات وكلّ شيء. المشروع بات عند الوزارة الآن.

 

(*) الإخراج المشترك فكرة جريئة، تشي بتواري الأنا. عادة، يُفضّل المبدع، خاصة في العالم العربي، أنْ يتفرّد اسمه في الجينيريك. أليس كذلك؟

كنت أرغب في ألاّ أخسر الشباب الذين أخرجوا أفلاماً روائية قصيرة. أريد منهم إكمال الطريق، وصنع فيلم روائي طويل بعضهم مع بعض، لأنّه، مع الفيلم القصير، يُمكن للمخرج أنْ يختفي بعد فترة فتخسره، لأنّه يقدّم فيلماً قصيراً كلّ سنتين أو ثلاث. لكنْ، لو أخرج فيلماً روائياً طويلاً، واحتكّ بالموزّعين والمنتجين، وهناك تذاكر وجمهور، سيختلف الوضع، وربما يستطيع مواصلة الطريق.

 

(*) شاهدت "ملائكة الأرض" (1983)، مشروع تخرّجك من "المعهد العالي للسينما" في القاهرة.

(بدهشة) مشروع التخرّج؟

 

(*) أجل. لأنّي أتأمّل كيف بدأت، وإلى أين صرت.

الفيلم عن مجزرة شاتيلا وصبرا، حكّم عليه علي بدرخان. كانت الفكرة خيالية، لأنّ المؤلّف والملحن يريدان الذهاب إلى بيروت للقتال، ثم نكتشف أنهما ميتان. فالأموات يُفكّرون ويريدون اتّخاذ موقف، بينما الأحياء لا يفعلون.

 

(*) أشعر أنّك كنت تُحدّد هويتك آنذاك بهذا الخيار، وإلا لماذا اخترت هذا، وليس موضوعاً آخر؟

نعم، اخترته. المشروع السابق عليه عنوانه "النقيض"، عن الديانات الثلاث والمذاهب. لكنّ محمود الشريف، عميد المعهد، قال لي: "لو تركتك تُخرج هذا المشروع، سيتم إغراقك في البحرين" (يضحك). فعملت شاتيلا وصبرا.

 

(*) مفاجئ لي أنّك كتبت كلمات أغنية "خذوني إلى بيروت" في الفيلم؟

كتبت وأصدرت ديوان شعر في مصر قبل التخرّج، لكنّ أمن الدولة صادره. كنّا في عهد السادات، فكيف أمتلك الجرأة وأكتب عن إسرائيل؟ كلّ شعري سياسي، وبعضه لُحِّنَ. أخرجت "القناع"، فيلم صامت مدّته سبع دقائق عن فلسطين، وضعت فيه لقطات للسادات عقب توقيع اتفاق كامب ديفيد.

 

 

(*) أتأمّل حماسة البدايات وجرأة المواقف السياسية، وأتساءل من دون محاكمة: أين أنت من ذلك الآن؟

كنتُ شاباً صغيراً. لم أكن أفهم شيئاً. كنت أكتب وأجرّب. قال لي الشاعر البحريني قاسم حداد: "كنت مشروع شاعر، ولم تكن شاعراً". لا يهمّني ذلك. أتذكّر أنّي لحّنت أوبريت لبابلو نيرودا. حوّلتها إلى حكاية بحرينية، وقدّمتها على "مسرح البالون" في مصر. مثّلت الشخصية الرئيسية في مسرحية "المؤلّف" لعلي سالم، ونلت جوائز. وقتها، كُتب في الصحافة: "هل يعنى ذلك أنّنا خسرناه كمخرج؟".

 

(*) ماذا كنت تريد أن تُصبح بالضبط: ممثلاً أو راقصاً أو شاعراً؟

لم أفعل ذلك كي أُصبح موسيقياً. تدريبي على الرقص ليس كي أكون راقصاً. عام 1985 مثّلت، وعند تنظيم أول مهرجان مسرحي في الخليج، نلت الجائزة الأولى. لي لوحات أيضاً. كل هذا عملته لأصبح مخرجاً، ولأعرف كيف أكون مخرجاً. كنت أريد فهم هذا كلّه، حتى إذا عملت مع موسيقار أخبره بما أريد بدقّة، وأتمكّن من مناقشته. مثلاً، موسيقى "الحاجز" لهاني شنودة، بذلك تمكّنت من مناقشته وعدم فرض شيء عليّ. للمونتير يوسف الملاخ فضل إقناع شنودة بتأليف الموسيقى. تدريبي على الرقص أفادني في إدراك لغة الجسد والتمثيل وتعلّمها.

 

(*) إذاً، مارست هذه التجارب بوعي لكسب خبرات تمكّنك في الإخراج.

لا شيء من هذا مهماً، في مختلف هذه المهن. كنت أجرّب. أيضاً، القاهرة منحتني فرصة. كانوا ينظّمون حفلات سنوية، وكنت أقدّم نفسي فيها، فاكتسبت خبرة. لذلك، عندما كنت أرسم لوحاتي، كنت أعرف الميزانسين.

 

(*) متى قررت أنْ تصبح صانع أفلام؟

لم أكن أعي كلمة صانع أفلام.

 

(*) لكنّك كنت تشاهد أفلاماً في السعودية عند إقامتك فيها.

نعم، شاهدت أفلاماً هناك. أنجزت فيلم أكشن عام 1975، ولا أعرف كيف صنعته. صوّرت كما أصوّر في البيت، ثم ذهبت إلى مكان وطلبت منهم عمل المونتاج، فنفّذه هندي، وعُرض في "نادي البحرين". لم أكن أفهم أنّي بذلك أصبحت صانع أفلام.

 

(*) لكنّك اشتريت كاميرا. هذا يعني أنّك كنت تفكر في السينما.

لم أفكّر في ذلك. كنت فقط أقرأ مجلاّت. عملت فرّاشاً في وزارة الداخلية. كانت هناك سيارات يابانية تُباع مع هدية كاميرا وبروجيكتور وشاشة عرض، حصل عليها موظّف ولم يعرف ماذا يفعل بها، فاشتريتها منه بالتقسيط. بها، صوّرت أول فيلم. طلبت من أناس يعملون في مطعم الوزارة أنْ يُمثّلوا، وطلبت من صديق أنْ يُصوّر عندما أمثّل. صدفة، قرأت عن منحة لدراسة الأعمال وأشياء أخرى، ولم يكن بينها السينما، فقدّمت طلباً، وأرسلوني إلى الكويت. بعد 15 يوماً، عدتُ وقلت لهم: "لا أريد ذلك. أريد دراسة السينما"، فقالوا لي أنْ أسافر إلى مصر على حسابي أولاً، فإذا وافقوا هناك يُعطوني المنحة هنا. اشتغلت في سوبرماركت، لأجمع مالاً يُمكّنني من السفر إلى مصر.

 

(*) أخرجت أول فيلم طويل عام 1990، والثاني عام 2003. أين كنتَ بينهما؟

الأول أنجزته على نفقتي، بقروض مصرفية. تكاليف تحميض النيغاتيف في لندن مرتفعة، والمونتاج في مصر مُكلف. لم يتقاضَ الممثلون أجراً، ويوسف الملاخ أنجز المونتاج. هذه تكاليف لا أستطيع تحمّلها كلّ سنة، إذْ عليّ تسديد القروض في أربع ـ خمس سنوات.

 

(*) وبين تخرّجك (1983) وإخراجك أول فيلم طويل: ماذا فعلت؟

صوّرت إعلانات لشركات أجنبية في البحرين. كنت أحصل على ألف دولار في اليوم، وتخيّلت أنّي سأصبح ثرياً هكذا دائماً. لكنّ الأمر لم يكن هكذا. إلى أنْ سألني مدير التلفزيون آنذاك: "أتريد أنْ تعمل أم لا؟"، فحصلت على وظيفة لـ35 سنة.

 

(*) الوظيفة قاتلة.

كلا. هناك جانب آخر: صنعت أفلاماً تسجيلية كثيرة، منها 26 تسجيلياً عن جوانب مختلفة في البحرين، أولها الإنسان. أنجزت برامج تلفزيونية بأسلوبٍ سينمائي. بدأت الصحافة تكتب عن هذه الأفلام، وشعرت أنّ اسمي يكبر. لذا، عام 1988، بدأت أفكر في صنع فيلم روائي طويل. ثم حقّقت أفلاماً دعائية عن المدن الجديدة في البحرين. كان هذا عملاً تجارياً، لا اختياراً فنياً.

المساهمون