ضجت وسائل التواصل الاجتماعي، في الأيام الأخيرة، حين انتشر مقطع من عرض أزياء مجموعة الخريف للرجال الخاص بدار لوي فيتون الفرنسية. السبب أن منسقة الموسيقى المسؤولة عن الحفل، المغنية الإسبانية روزاليا، بثت مقطعاً من أغنية "بسبوس عاشق بسة"، ما أثار غيظ وغضب الكثيرين، وتعالت الأصوات المنتقدة متساءلةً: كيف يمكن لأرقى العلامات التجارية في العالم أن تستخدم موسيقى كهذه؟ وانهالت بعدها الشتائم والسخرية من "انحطاط الذوق العالمي".
لا يخفي هذا النوع من الانتقادات نوعاً من التعالي؛ إذ لا يستهدف فقط هذه الأغنية، بل يكرر ما حدث مع المغني السوري عمر سليمان الذي اقتحم الخشبات العالميّة، مغيظاً كل الكارهين والحساد. نكتب بهذه اللغة والصفات كون الاتهامات لا تشير فقط إلى هذه الموسيقى، بل إلى منشئها، بوصفها أدنى وأقل قيمة من الرائج، ذاك المدعوم من شركات الإنتاج الكبرى ويرسم الذوق العام من دون أي مراعاة للخصوصية المحليّة للموسيقى وأثرها على المستمعين.
لا يُستغرب تسلل هذه الأغنية، حسب وصف البعض، فالموسيقى العربية بأشكالها المختلفة، سواء كانت طرباً أو زمراً أو بوب، موجودة في الحفلات وصالات الرقص الأوروبيّة، وتجاوزت الشكل الإيكزوتيكي الذي يشير إليه البعض، نحو سلعة يطلبها المستمعون والراقصون على حد سواء، ما يعني أننا لم نعد أمام حالة استشراقية، بل نحن نستمع إلى نوع موسيقي أُثبتت فعاليته على حلبات الرقص، سواء في العالم العربي أو في الغرب.
اتُّهم "الغرب" أيضاً بالمساهمة في تشويه صورة العرب، إذ كيف يمكن للبلد الذي استضاف أم كلثوم في باريس على خشبة مسرح أوليمبيا عام 1967 أن يختار هذه الموسيقى التي يقال إنها حكر على سائقي سيارات الأجرة والكازينوهات. طبعاً، لا يوجد أبشع من أوصاف كهذه، هي لا تهين الموسيقى فقط، بل المستمعين إليها، في محاولة للتعالي طبقياً لا ذوقياً، أي المشكلة، إذن، ليست في رداءة وجودة الموسيقى، بل في من يستمع إليها، ووصمهم من خلال مهنهم.
هذا الغيظ الذي يرافق ردود الفعل يشفي الغليل. الموسيقى العربيّة ليست فقط ذلك السائد (Mainstream). هناك طيف واسع من الموسيقى والأنغام على طول المنطقة العربيّة التي لا يمكن تجاهلها. وهنا يأتي السؤال: لماذا اختارتها "لوي فيتون" ومنسقة الأغاني؟ ما من إجابة واضحة، لكن هل هذا يعني أن هذه الموسيقى نالت اعترافاً جديداً؟ ربما، لكنها منتشرة بشكل واسع في المنطقة العربية وفي أوروبا. هل هي محاولة استشراقيّة لإهانة العرب وموروثهم؟ لا نظن، لأنه وببساطة، هي مجرد 30 ثانيّة رقّصت الناس. لهذا، من الصعب اتهامها بأي ممارسة استشراقية، كونها ظهرت في سياق تجاري بحت، ربما هناك تسليع من نوع ما، أما الإهانة فلا يمكن رصدها. من يحكم على الموسيقى هم من يتلقونها ويتذوقونها، وليس من يحتقرونها.
يمكن أن تكون المقاربة مجحفة إذا قلنا إننا أمام حادثة مشابهة لما واجهه الجاز من انتقادات من قبل ثيودور أدورنو، بوصفها موسيقى عرقية ومنحطة وخالية من الإيقاع. لكن أليست هذه الانتقادات هي ذاتها الموجهة لموسيقى الزمر التي تهاجم الطبقة والمستمعين، ولا تقدم نقداً موسيقياً لنوع فني تطور وانتشر بشكل هائل، إلى حد خجل بعضهم من قولهم إنهم يستمعون إليه؟ على الأرجح، لا توجد إجابة حاسمة.
ما يكفينا هو إغاظة المفرطين في جديتهم، المدافعين عما تبثه الفضائيات من موسيقى مراهقة لم تتغير منذ 30 عاماً. موسيقى الحفلات المفرطة في أناقتها ونظافتها وكلماتها الخاضعة للرقابة. نعم، "لوي فيتون" اختارت هذه الموسيقى ربما لأن إيقاعاتها تحرك الخصر والأكتاف، ودفعت عارضي وعارضات الأزياء أنفسهم للرقص، ألا يكفي هذا؟ أم يجب أن تؤخذ موافقة شركات الإنتاج و الجمهور ومقرصني الموسيقى والفضائيات لاختيار الموسيقى الأنسب لأذواقهم. ننهي هنا بسؤال: ما هي الموسيقى العربيّة؟ ما هي الأغنية التي لو بثت في عرض "لوي فيتون" فلن تثير الجدل؟