يؤكد الموسيقي اللبناني، بلال الزين، أنّ قراره الذي اتخذه بالهجرة إلى السويد قبل ثلاثة أعوام جاء نتيجة للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعايشها اللبنانيون منذ عدة سنوات، التي أدت به الى اختياره الحل الصعب بالابتعاد عن لبنان؛ حماية لمستقبل عائلته وأبنائه، بعدما تأكد، بحسب تعبيره، أنْ لا حل يبدو في الأفق يمكن أن يمنح مواطنيه الأمل بمستقبل أفضل.
والزين صاحب مجموعة بازرة من الألحان الشهيرة التي قدمها في مسيرته لمجموعة من ألمع نجوم الغناء العربي، ومنها: "أيام" بصوت وردة الجزائرية، و"افترقنا" و"نسيت أنساك" و"روح" و"أنا اشتقتلك" و"بعد ع البال" بصوت فضل شاكر، و"يا ظلي يا روحي" و"صرنا صلح" و"صار الحكي" و"الغرام المستحيل" بصوت وائل كفوري، و"الجرح الي بعدو" و"أنت أمريني" و"وراق الخريف" و"كلشي إله نهاية" بصوت ملحم زين.
وقال الزين لـ"العربي الجديد"، في أول حوار صحافي يجريه منذ قراره بالهجرة: "التاريخ يعيد نفسه، وأصبحت تعلم ماذا سيحدث لأنك قرأت التاريخ، وتعلم الأسباب التي تؤدي لذات النتائج، والأمر لا يحتاج إلى ذكاء لأننا نعرف الواقع إلى أين سيأخذنا، ولأن لدي عائلة ومسؤولية على أكتافي، فأصبحت فكرة الهجرة حالة حقيقية، ونفذتها".
ويفسر الزين ابتعاده عن الساحة الفنية خلال السنوات الماضية، بحاجته للاستقرار حتى يعود للإبداع، شارحاً: "كنت أعيش مرحلة انتقالية، فعندما تنتقل إلى بلد لا يتحدث سكانه اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، عليك أن تتعلم لغتهم وتختار منزلاً وتحصل على أساسيات المعيشة، وبذل الجهد لعكس الاستقرار على أفراد العائلة، ومتابعة تحصيل الأبناء الدراسي في بلد وثقافة ولغة جديدة عليهم، فالأمر ليس سهلاً مطلقاً"، ويزيد الزين قائلاً: "أيضاً تغيرت الحالة الفنية بسبب تراجع الإنتاج الفني عربياً، وزيادة الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي في ترويج الأعمال الجديدة، التي أصبح لها متطلبات متجددة بفعل تغير ذوق الناس موسيقياً، وهذه الأمور وغيرها؛ دفعتني لأن أبتعد. فمن جهة كنت أؤسس حياة في بلد جديد، وأنا لدي أبناء مسؤول عنهم، وبذات الوقت هناك تغيرات كثيرة على سوق الموسيقى في لبنان والعالم العربي بشكل عام".
يرفض الزين مصطلح "فنانون أوفياء" رداً على سؤال من الفنانين الذين عاش معهم نجاحات كبيرة كانوا على تواصل معه في أثناء غيابه الفني، ويوضح: "لا يوجد شيء اسمه فنانون أوفياء أو غير أوفياء. هناك أصدقاء أوفياء أو غير أوفياء، فالعلاقة مع الفنانين قائمة على العمل ليس أكثر، رغم أن هناك من تتعامل معهم فنياً وتتطور العلاقة إلى صداقة عائلية، مثل ملحم زين على سبيل المثال، ولكنني أرى أنه ليس مطلوباً من الفنان أن يكون وفياً لأنه محكوم بعلاقات عمل، فانا ملحن وهو مغنٍّ، لذا يأخذ نجاحه مني كمغنٍّ من خلال ألحاني، وأنا آخذ نجاحي منه كأغنية أوصلها بصوته ونجح، ونحن موجودون تحت نظام يعاني من عدم وجود حقوق ملكية فكرية للملحن وللشاعر، وهو أمر مجحف، علماً أن الذي يجب أن يستفيد صاحب الفكرة، ولكن ليس مطلوباً من المغني أن يصحح هذا الخطأ، لأننا نعمل في منظومة فيها أخطاء كثيرة".
لا يخفي الزين سعادته من تصريح للملحن صلاح الشرنوبي، أشاد فيه بتعاون الزين كملحن مع الفنانة الراحلة وردة الجزائرية. وقال الشرنوبي يومها إن الزين حمى صوت وردة من غناء ألحان هابطة!، لكن الزين يوضح: "هذا الموضوع حساس جداً، ولا أستطيع وصف ألحان غيري بالهابطة. هذا رأي الشرنوبي، وأشكره على تقديره لي، لكنني لا أتبنى هذا الوصف". ويسترجع الزين ذكريات عمله مع وردة، قائلاً: "مع وردة شاركت بلحن وتوزيع أغنية (أيام)، وبها "فشيت خلقي" فنياً، وكانت مبدعة رحمها الله في هذا الأمر، وكانت تغنّي بحب كبير جداً، وللأسف لم تصدر الأغنية إلا بعد وفاتها، وهي ست عظيمة لا أستطيع إيفاء حقها، وكل عام أضع صورتها في ذكرى وفاتها وأعلّق بأن غنائها من ألحاني أجمل ما حدث معي فنياً". ويشير الزين إلى أنَّ وردة كانت قد اختارت مجموعة من ألحانه لغنائها لاحقاً، لكن لم يمهلها القدر لإتمام تعاونه معها، مضيفاً: "أول أغنية من المفترض أن تسجلها كانت بعنوان (تجربة مؤلمة)، وغنتها لاحقاً شيرين عبد الوهاب".
يجد الزين أن وصول بعض الأغنيات التي تحمل إسفافاً غنائياً إلى الناس، سببه المجتمع، شارحاً: "الإسفاف ليس في الموسيقى، بل في المجتمع، والموسيقى مرآة تعكس المجتمع، عندما يكون المجتمع راقياً ستنعكس موسيقى راقية والعكس صحيح، وبشكل عام عندما يكون المجتمع أخلاقه سيئة يعرف بأكثريته وسيخرج هذا الذوق الفني هكذا، وسيخرج فنانون على شاكلتهم". ويضرب الزين مثلاً على الحالة الفنية الصحية، قائلاً: "عندما تعود للزمن الماضي وترى حفلاً لأم كلثوم مثلاً، تجد فنانة عظيمة وفرقة موسيقية ذات قيمة، وعندما تسلط النظر على الجمهور تجده جمهوراً عظيماً يستمع، كانوا يشبهون بعضهم، وهذا الأصل في الأشياء. اليوم نحن في الحضيض للأسف، ومن موسيقانا تعرف مستوانا وكيف أصبح. علينا أولاً أن نصلح المجتمع ليصبح أرقى ويذهب منه الإسفاف، ويصبح مهتماً بأمور أكثر قيمة".
وعن ترشيح نقاد وإعلاميين له، لتلحين أغانٍ وقصائد للمطرب كاظم الساهر الذي بدأ في السنوات الأخيرة الغناء لملحنين آخرين، يقول الزين إنه عندما يلحن نصاً غنائياً، لا يفصله على أساس من سيغنيه، وهو أمر غير وارد في ألحانه، موضحاً: "أنا ألحن الكلمة وأضع إحساسي في النص الغنائي وكيف يؤدى، ثم يأتي المغني ويضع صوته وإحساسه وخبرته على اللحن ليقدمه للجمهور بالصورة التي يراها. أما بالنسبة إلى كاظم الساهر، فهو فنان قدير وملحن كبير، ويسعدني أن ألحن له، لكن يجب أن تجمعنا جلسات عمل ونقاش فني حتى أستطيع تقديم لحن موسيقي يليق بصوته، ويكون مختلفاً عمّا قدمه في مشواره، لأن المغني - الملحن إن أراد الغناء لزميل له، سيبحث عن الجمل الجديدة وغير المألوفة التي قدمها في مشواره".