أخيراً تحقق حلم كثيرين من سكان الموصل في أن يكون أحد بيوت مدينتهم التراثية معلماً يجمع في داخله سيرة هذه المدينة وتراثها، من خلال "بيت التراث الموصلي". الموصل التي تبعد حوالي 465 كلم شمال العاصمة بغداد، تعتبر من مدن العراق الموغلة في القدم، وقد احتضنت عدداً من الحضارات أبرزها الآشورية التي تمتد إلى عام 2500 قبل الميلاد، وفيها العديد من الشواهد التاريخية، كما تتميز بتراثها المتجذر والماثل في أبنيتها وأحيائها التي نالت نصيباً كبيراً من الخراب نتيجة سيطرة تنظيم داعش على المدينة من صيف 2014 حتى صيف 2017، وما أعقبها من دمار بسبب المعارك.
ويتأسف الموصليون على العدد الكبير من القصور والبيوت التراثية التي تهدمت كلياً أو جزئياً.
في حديث مع "العربي الجديد" يقول مدير ومؤسس مشروع "بيت التراث الموصلي"، أيوب ذنون، إن فكرة إنشاء بيت يضم تراث الموصل "جاءت بعد الدمار الكبير الذي تعرضت له المدينة وما تحتويه من آثار وتراث سواء من قبل داعش أو من خلال عمليات التحرير وما نتج عنها من خسارة على صعيد المواقع الأثرية والبيوت التراثية فضلاً عما لحق المدينة القديمة التي دمرت أسواقها".
يُعتبر ذنون من أشهر الشباب الموصليين العاملين في مجال إعادة الحياة إلى المدينة بعد خرابها. وسبق أن شارك في قيادة حملات تأهيل وبناء وتطوير وتنظيف المدينة، أبرزها "ثورة الدنابر" التي حققت شهرة دولية لأهميتها ونجاحها في مساعدة النازحين على العودة إلى منازلهم.
يشير ذنون إلى أن الغاية من المشروع هي "إعادة إحياء التراث الموصلي بشكل عام وزيادة الوعي لدى الأطفال والشباب الذين لم يشاهدوا تراث مدينتهم بسبب الحرب أو الذين لم يهتموا بهذا التراث، إلى جانب محاولة إعادة ما يمكن إعادته من آثار وموروث ثقافي موجود في هذه المدينة".
تضم الموصل عدداً كبيراً من القصور والمنازل التراثية ذات الطابع المعماري الشرقي العراقي الموصلي التي تتميز بأقواسها وفناءاتها وزخارفها وقبابها وأعمدتها وأحواشها وأسطحها وشبابيكها وأبوابها، وكلها تحمل تفاصيل لا يمكن المرور عليها من دون التوقف طويلاً للاستمتاع بها.
يقول ذنون إنه يدير مشروع تراث الموصل وهو مؤسسه أيضاً، وذلك من خلال بيت تراث الموصل الذي يضم متحفاً تراثياً وغرفة موصلية، بالإضافة إلى غرفة لأصحاب الإبداع الذين يهتمون بالتراث، مشيراً إلى أن من أبرز هؤلاء المهندس عثمان علي الذي عمل على إنتاج منحوتات وأعمال يدوية فنية جسدت منارة الحدباء والبيت الموصلي والواجهة النهرية والعديد من الأعمال التي وضعت في الغرفة. يضيف ذنون أن "البيت يضم أول متحف تراثي في مدينة الموصل، ويتضمن أكثر من طريقة لعرض الآثار"، مشيراً إلى أن هذه الوسائط تمكن الزائر من التعرف على ما كانت تحتويه المدينة من آثار ومناطق تراثية وشواهد قبل أن تدمرها الحرب.
ينظم المشروع أيضاً العديد من البرامج التثقيفية لطلبة المدارس والجامعات، ويعمل على تنشيط السياحة في المدينة، بالإضافة إلى البرنامج الثقافي من خلال الندوات وورش العمل، وفق ذنون الذي يوضح أن "من بين هذه البرامج ما يقدمه نادي عنقاء الثقافي الذي يوفر نشاطات أسبوعية، بالإضافة إلى المهرجانات خارج البيت".
وفق ذنون، فإن البيت التراثي يعود بالأساس إلى الدكتور أسامة الإرحيم، وهو موصلي مغترب بنى بيتاً على الطراز الموصلي يحتوي كل تفاصيل العمارة الموصلية وقد بناه في تسعينيات القرن الماضي على ضفاف نهر دجلة، ثم تبرع به ليكون مشروعاً تراثياً يحكي تراث المدينة. ويلفت إلى أن البيت تم إثراؤه بعدد كبير من القطع الفنية التراثية والأثاث التراثي والأنتيكات والأزياء.
ولبيوت الموصل التراثية حكايات عدة لدى سكان هذه المدينة، وفق ما يذكر الموصلي سامي يونادم الذي يقول لـ"العربي الجديد" إنه منذ كان فتى في ستينيات القرن الماضي، سكنت عائلته أحد البيوت التراثية، مؤكداً أنها كانت منهلاً له في "تقديم أعمال فنية جميلة".
يونادم، وهو عازف كمان، يقول إنه ألف مقطوعات موسيقية عدة استوحاها من تفاصيل بيوت الموصل التراثية، معتبراً أن افتتاح بيت للتراث الموصلي "مشروع كبير جدا لحفظ تراث الموصل التي تعرضت لكارثة كبيرة محت أغلب آثارها وتراثها".