"بيت التنين"... شخصيات رمادية للنسيان

24 يونيو 2024
ما يُخرج الشخصيات من عاديتها الممارساتُ العنيفة غير المتوقعة (إتش بي أو)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- "بيت التنين" يعاني من مشكلة في تطوير شخصيات تثير التعاطف والاهتمام، حيث تظهر الشخصيات بضبط نفس وتصرفات محسوبة تقلل من التأثير العاطفي للأحداث.
- السلسلة تحافظ على عناصر الإثارة بفضل المشاهد القوية والعنيفة وظهور التنانين في لحظات محورية، مما يزيد من الترقب للحلقات القادمة رغم التحديات في جذب الجمهور.
- تقدم السلسلة بناءً جيدًا للعالم والقصة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجمهور الذي يأتي بتوقعات مبنية على الروايات الأصلية قد يجد نفسه أكثر انخراطًا على الرغم من العيوب.

"لقد أضجرتموني، أضجرتموني حتى الموت". هذا ما يقوله الملك إيغون تارغريان (توم غلين كارني) لأعضاء مجلسه وهم يناقشون استراتيجيات الحرب القادمة. بطريقةٍ ما، قد يكون إيغون، في مرحلة ما، يتحدّث نيابة عن مشاهدي "بيت التنين" (House of the Dragon)، أو على الأقل يصف حالهم أثناء تلك المَشاهد. كل ما في الأمر أن الموسم الجديد من الملحمة، وهو الثاني في هذه النسخة السابقة لـ"لعبة العروش"، يعاني عيباً فشلت تحسيناته الواسعة مقارنة بالموسم الأول في معالجته: شخصياته، باستثناء بعضها القليل، ليست مثيرة للاهتمام والمتابعة. وفي مرحلة معيّنة، سيشعر المُشاهِد وكأنه إيغون متقلّب المزاج، الذي يغلبه الملل من مشاحنات رجال حاشيته ممن يمكن استبدالهم، وينتظر منهم اتخاذ إجراء فقط، سواء كان انتقاماً دموياً أم تنانين تنتظر استدعاءها إلى الميدان للقيام بعملها المدمّر.

هذه مشكلة لافتة في "بيت التنين"، فمبدعوه يُنجزون ما يجب عليهم فعله، وعملهم في بناء المسلسل نفسه يستحق الثناء، فقد تمكنوا من الجمع بين دسائس القصر واللحظات العنيفة والمأساوية بين الجانبين، وبعض مشاهد الأكشن الصادمة، ولكن لديهم مشكلة لا يمكنهم حلّها: من الصعب على شخصياتهم توليد الكثير من التعاطف أو إثارة مشاعرنا. إذا نجوا، فخير. إذا ماتوا، فلا بأس. كما أنها ليست مشكلة الممثلين، لأن معظمهم يؤدّون عملهم بإتقان. قد يصعب على المتفرّج في بعض الأحيان فهم لماذا لا تجذبه صراعاتهم.

كاتب هذا المقال يمكنه التفكير في إجابة واحدة محتملة، من دون الجزم بصحّتها، لأنها في الواقع، إجابة تناقض معظم الأفكار التي لديه حول كيفية صناعة الدراما. هي شخصيات ذكية ومدروسة بإفراط، وقادرة على التفكير قبل أن تتصرّف، ولا تنغمس في نوبات الغضب المتقلبة والوحشية، ولكنها تتخذ أفعالاً منطقية ومعقولة، على الأقل في ما يخصها. هذا "النضج" النسبي لمعظم الأبطال، في سياق المسلسل الذي يتوقَّع فيه المرء أيضاً أفعالاً عظيمة، يجعلهم رماديين إلى حد ما، وسياسيين أكثر من أبطال العمل (أو الأشرار)، وبيروقراطيين أكثر قوة من الملوك والملكات مع القدرة على تصفية شعب بأكمله من أجل مصالحهم فقط. لنتفق أن جزءاً من نجاح الملحمة التي ابتكرها جورج آر. آر. مارتن يرجع إلى هذه الأفعال الجنونية والنزوية، وأن هذه الأفعال هي ما تجعل المكائد والمؤامرات التي تجري في الممرّات وقاعات الاجتماعات مزعجة ومقيمة في الذاكرة.

في "بيت التنين"، كل شخص لديه أسبابه ومنطقه الخاص للطريقة التي يتصرّف بها. وحتى عندما يرتكبون جريمة وحشية يفعلون ذلك عن طريق الخطأ أو سوء الحظّ أو كقرارٍ واعٍ. وهذا الجانب، المحمود من ناحية البناء الدرامي، يقلّل من مفاجأة الأحداث وتأثيرها.

البطلتان الرئيسيتان، راينيرا تارغريان (إيما دارسي) وآليسنت هايتاور (أوليفيا كوك)، الصديقتان السابقتان، المتصارعتان على تاج المملكة حالياً، تبذلان قصارى جهديهما للتعامل مع نفسيهما بانضباط ودقّة، وتبذلان قصارى جهديهما لتجنّب الصراع، وإذا حدث شيء من هذا القبيل، يميل إلى أن يكون خطأ الرجال الأكثر اندفاعاً في كلا المعسكرين. التناقض بادٍ: ضبط النفس والذكاء مفيدان للعالم الحقيقي، لكن ملحمة حرب وفنتازيا مثل هذه تحتاج إلى شخصيات أكثر وحشية قليلاً.

يحتوي "بيت التنين" على عدد قليل من هذه الشخصيات. إيغون، في أحسن الأحوال. وبدرجة أقل شقيقه إيموند تارغريان (إيوان ميتشل). على الجانب الآخر من ساحة المعركة، يشكّل ديمون تارغريان (مات سميث) المثال الأقرب إلى الرجل العنيف والوحشي، بالرغم من أن شخصيته مرسومة بدقّة. ولكن بعيداً عن هذا الثلاثي الشبيه بإيرلينغ هالاند والمتنافسين على نيل لقب الهدّاف، بقيةُ الشخصيات كلها ظلال رمادية يمكن نسيانها.

سينما ودراما
التحديثات الحية

على عكس "صراع العروش"، الذي امتلك مجموعة من الشخصيات المميزة التي لا تُنسى في أماكنَ مختلفة تكشّفت فيها الحبكة، نأمل أن يصل عدد هذه المجموعة المميزة في المسلسل الأحدث إلى ستة (الخمسة المذكورون أعلاه إضافة إلى أوتو هايتاور، الذي يلعبه ريس إيفانز)، في حين أن بقية الشخصيات التي تعبر أحداث المسلسل، بما في ذلك أطفال وأحفاد وشركاء وأشقاء، يمكن بصعوبة تمييز بعضهم من بعض. في الواقع، يمكن تمييز التنانين أكثر. في ظلّ غياب الشخصيات التي تتمكّن من إضفاء طابع درامي على المكائد السياسية وصراعات السلطة، وهو ما يحدث في بعض الأحيان، خاصة في مشهد رائع في نهاية الحلقة الثالثة، فإن ما يخرجها عن عاديتها ليس سوى تلك الأعمال القاسية والعنيفة غير المتوقعة التي تختم كل حلقة من الحلقات الأربع الأولى.

منذ الموسم الأول، ثمة رغبة ملحّة في الانتقام، وهذه الحقيقة ستصبح بمثابة الدافع للتصعيد الأوّلي للصراع. وستظل الآليات متشابهة في الأحداث التالية، حتى تصبح الحرب المباشرة حتمية عملياً، خاصة مع وجود التنانين المنتظرة في الأقفاص. يجري التعامل مع جميع المشاهد القوية والعنيفة بجودة تزيد من الترقّب للحلقة القادمة، لكن المسلسل سرعان ما يقع في البين بين حين ينتظر المرء بعض الأعمال الوحشية أو غير المتوقعة التي تأتي عادة في آخر 15 دقيقة. وهكذا يستمر الأمر.

ثمة نقص في التوتُّر عند كل منعطف (هناك توتُّر ذو طبيعة جنسية سيلفت انتباه كثيرين، من دون الجزم بأهميته الفعلية لتطوّر الأحداث). لا وجود لأي من التهديدات الخارقة للطبيعة في "لعبة العروش"، ولا يشعر أحد بالرغبة في رمي شخص ما من النافذة لمجرد ذلك. عبارة أخرى، إذا لم يشعر المُشاهد بالتوتر عندما يتوقّع الأسوأ في أي لحظة، فمن الواضح أن هناك شيئاً خاطئاً من شأنه تقويض المشروع بأكمله. هذه القاعدة الأولى للتشويق.

ومع ذلك، ربما يكون المشاهدون الذين يأتون إلى المسلسل حاملين توقعات عن الشخصيات ويعرفون أفعالهم من خلال قراءة الروايات الأصلية، أكثر قلقاً بشأن ما يحدث لها. الأمر فقط، كما أسلفنا، أن كل شيء في المسلسل مبني جيداً ولا شيء يستحق الشجب في حد ذاته. إذا أضيفت تلك الإثارة التي يفتقر إليها، فربما يكون كل شيء أفضل للمُشاهد الذي يتوقّع أن ينجذب إلى الشخصيات بناءً على ما يفعلونه في المسلسل نفسه، وليس بناءً على ما يعرفه عنهم من خلال قراءته روايات "أغنية الجليد والنار".

من نافلة الكلام القول إنه ليس مفيداً مقارنة "بيت التنين" طوال الوقت بـ"صراع العروش"، فقد تمكّن هذا الأخير لعدة مواسم من جذب محبّي روايات مارتن والوافدين الجدد على حدٍّ سواء؛ بينما "بيت التنين"، يُحدث سحراً مُتناثراً، في قطرات وعلى فترات. ومع ذلك، بهذا الإبهار المتناثر، وتنانينه النارية، يملك ما يكفي للعمل والاستمرار.

المساهمون