نهاية الشهر الماضي، أصدرت بيلي أيليش ألبوماً جديداً حمل عنوان Happier Than Ever، وهو الألبوم الثاني في مسيرة النجمة الشابة (19 عاماً)، وذلك بعدما استطاعت خلال الأعوام الأخيرة أن تغير معايير موسيقى البوب الحديثة.
عند الاستماع إلى الألبوم الجديد يبدو واضحاً تمحوره حول التغيرات التي تطرأ على حياة الفتيات عند الانتقال إلى سن الرشد، لكن اللافت هو الإدراك المتقدم والحساسية العالية التي تتمتع بها أيليش في قراءة هذه التغيرات التي تعايشها هي نفسها، لدرجة تشعرك بأنه الألبوم الأول الذي يتمحور حول هذه المرحلة.
تفتتح أيليش ألبومها بعبارة: "أنا أكبُر" في أغنية Getting Older، لتضعنا مباشرةً في صلب الموضوع، فالعمل قائم برمته على الملاحظات الشخصية التي دونتها أيليش عن نفسها في هذه المرحلة الانتقالية؛ بعضها ملاحظات يمكن وصفها بالعامة وكأنها استنتاجات عن طبيعة المرحلة، والبعض الآخر أكثر شخصية ويتعلق بتقدم الإدراك.
تبدأ ملاحظاتها الشخصية بعبارة صادمة بالأغنية الافتتاحية ذاتها، عندما تقول: "في الأسبوع الماضي، أدركت أنني أتوق إلى الشفقة، فعندما أعيد سرد أي قصة أجعل كل شيء يبدو أسوأ"، لتبدو أيليش منذ البداية على استعداد لإعادة قراءة ذاتها بشكل نقدي، في استباق لكل ما يمكن أن يطاولها من نقد.
من خلال السياق الذي مرّ به الألبوم حتى إصداره، يبدو واضحاً أن أيليش كانت تملك خطة مسبقة له، إذ إن أولى عينات العمل كان فيديو موسيقي لمقطوعة "ليست مسؤوليتي" عرضته أيليش في ثلاث حفلات في مارس/آذار 2020 قبل أن تتوقف الحفلات الموسيقية بسبب أزمة كورونا. ويُظهر المقطع الغامض الذي تبلغ مدته أربع دقائق أيليش وهي تخلع ملابسها ببطء وتغوص في بركة سوداء لزجة، يرافقها مونولوغ حول مفهوم العار واقترانه بالجسد؛ جسدها الذي بالغ الإعلام بتشريحه وقراءته عندما كانت تخفيه تحت ملابسها الفضفاضة. فيرد في المقطع: "هل تريدني أن أكون أصغر، أضعف، أنعم أم أطول؟ ما الذي يستفزك؟ صدري؟ بطني؟ أوراكي؟ جسدي الذي ولدت فيه! إذا ارتديت ثيابا مريحة فأنا لست امرأة وإذا تخلصت من الطبقات التي تغطيه فأنا عاهرة! من يقرر ما الذي يجعلني كذلك؟ هل قيمتي مبنية على تصوراتك أو آراءك؟ لا هذه ليست مسؤوليتي".
هكذا بدأت حكاية الألبوم، من خلال الكشف عن العلاقة المتوترة مع الجسد، التي خلقتها التقييمات المستمرة لها في الإعلام منذ أن حصدت جائزة غرامي عن ألبومها الأول. لكن هذه الخطة تم تعطيلها بسبب جائحة كورونا لمدة. بسبب ذلك أعادت أيليش إثارة ذات القضية بجرأة أكبر، عندما عادت لتستكمل طرح أغاني الألبوم هذه السنة، فظهرت بصور جريئة على غلاف مجلة "فوغ" وأرفقتها بأغنية Your Power التي تسلّط فيها الضوء على قضية استغلال الفتيات القاصرات جنسياً من قبل رجال يكبرونهن عمراً وتناقش المشكلة من خلال المبررات التي يقدمها هؤلاء الرجال للدفاع عن أنفسهم في المحاكم الأميركية عادةً.
كانت هذه القضايا مدخلاً للغوص في الأحكام الجديدة التي يفرضها الإعلام والمجتمع على حريتها بعد بلوغها سن الرشد، لتطرح في الأغنية التالية DNA قضية ذات صلة، تتعلق بالاتفاقات التي يُلزم الفنانون بإبرامها مع شركائهم العاطفيين قبل الدخول بأي علاقة، لتحكي عن الآليات المختلفة التي وضعت للتحكم بالجسد.
تستكمل أيليش هذه الحكاية بأغنية Billie Bossa Nova التي صدرت ضمن الألبوم، لتسرد الأساليب التي تتبعها لتجاوز الآليات التي تحكمها وتكرهها، فتقول: "لأن الانتظار أمر ممل جداً، يمكن أن يحدث الكثير في الظلام. بعض المعلومات ليست للمشاركة. أستخدم أسماءً مختلفة عند تسجيل الدخول إلى الفندق. من الصعب إيقاف الأمر عندما ترغب بأن يبدأ".
تصرخ خلال الأغنية: "أنا لست عاطفية" وكأنها تقاوم كل الاتهامات المسبقة التي قد تطاولها، تبدو خلال هذه الجملة منكسرة بعض الشيء، لكنها ترغب بمواجهة الأمر، لذلك نجدها في أغان أخرى تتحدث عن رغباتها الجنسية بوضوح أكثر، كما هو الحال في أغنية Oxytocin، التي تختار لها اسم هورمون أيضاً، لتبعث بإشارة أخرى عن طبيعة هذه العلاقات التي ترفض أشكال الرقابة المفروضة عليها.