منذ أن بدأت الأحداث الأخيرة في فلسطين، تحديداً محاولات تهجير أهالي حي الشيخ جراح في القدس، لم يكن حال الاحتلال في الصحافة الاسكندنافية سوى "سلطة تتحول إلى أبرتهايد" (فصل عنصري)، كما ظلّت تكرر صحف دنماركية مثل "بوليتيكن" و"إنفورماسيون" وبعض الأحيان في "بيرلنغكسا" الليبرالية، ومثلها فعلت بعض الصحافة في السويد والنرويج.
الافتتاحيات التي لازمت خلال شهر رمضان الماضي، الحدث المقدسي، ذهبت في أغلبها نحو انتقادات لاذعة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مطلقةً عليه أوصاف "الساعي لتشكيل حكومة يمين متطرف ترسخ نظام أبرتهايد ضد الفلسطينيين"، كما كررت "بوليتيكن" في أكثر من مناسبة، وهو ما احتوته مقالات كبير المراسلين في الشأن العربي، أندرس جيركو.
ومنذ أن زاد تفجر الوضع بالقصف الإسرائيلي العنيف وإطلاق الصواريخ من غزة، لم تتردد "بوليتيكن" عن رد كل ما يجري إلى "القدس الشرقية المحتلة، فخلف مشهد القصف الجوي وإطلاق قذائف وصواريخ تتصدى لها صواريخ إسرائيل، تسيل الدماء ويتصاعد الغضب ويمكن أن تذهب الأمور إلى حالة أكثر سوءا من الآن"، بحسب ما كتبت يوم 13 مايو/أيار الماضي. وأشارت في السياق إلى أن مقتل 7 إسرائيليين (حتى يوم نشر المقال) يقابله دمار وقتل 83 فلسطينيا في غزة. سجلت الصحيفة بوضوح أن القصف بتبرير ضرب "حماس" باسم "العودة إلى الحياة اليومية لإسرائيل يعني أيضا أن الفلسطينيين سيظلون يفتقرون إلى الحق في أن تكون لهم دولتهم مثل الإسرائيليين، وبالتالي فإن هذه الحرب هي تذكير بأن 54 عاما من الاحتلال لم يصبح أبدا (طبيعيا) بالنسبة للفلسطينيين". "بوليتيكن" في تغطيتها للحدث رأت أيضا أن "12 عاما مع بنيامين نتنياهو ولم يكن في عقله سوى رغبة بمحاربة القومية الفلسطينية وإضعافها وجعلها تختفي، وقام بمهاجمة عرب إسرائيل (فلسطينيي الداخل) وتلك كارثة تنفجر الآن بوجه إسرائيل، وتتوضح أكثر خارج إسرائيل". وأشارت "بوليتيكن"، إلى ما حاولت غيرها من الصحف تغييبه، مثل "يولاندس بوستن" (الأقرب إلى معسكر يميني مؤيد للاحتلال)، من أنه قبل أحداث الشيخ جراح "كانت إسرائيل على وشك تشكيل حكومة بدون نتنياهو، أما اليوم فالوسط واليمين يتسابقان على إيجاد الحجج لحلول عسكرية وليس بالحوار والتسويات والتنازل على الإطلاق".
عنوان صحيفة "يولاندس بوستن"، التي لم يرق لها خروج تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين، وهي التي تدعي منذ تفجر "أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد" في 2005 أنها تلتزم بحقوق الناس في حرية التعبير والرأي، اختزل تغطية العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، متجاهلا كل ما كان من مقدمات في القدس والشيخ جراح لأسابيع، بقولها إنّ "حماس هي العدو الأكبر للفلسطينيين"(!)، دون تطرق للاحتلال الإسرائيلي وما يجري في القدس أو الداخل المحتل، بل قدمت رواية "العرب يحرقون معبدا يهوديا"، دون التطرق على الإطلاق كما فعلت "إنفورماسيون" إلى قيام المتطرفين اليهود "بحرق بيوت ومساجد بقنابل مولوتوف والاعتداء الجماعي على أي عربي يصادفونه".
وفي ذات السياق "المتوازن" للتغطية ذهبت الصحافة السويدية. فقد تناولت "أفتونبلاديت" في استوكهولم الحدث الجاري في القصف على غزة بتفاصيل كثيرة، معيدة بنفس الوقت ما يجري إلى جذوره في القدس طيلة شهر رمضان. ولم تغيّب الصحيفة السويدية رواية الضحايا الفلسطينيين، بل استعرضت بعض تفاصيلها وجوانبها الإنسانية من خلال نشر فيديوهات وشهادات الناس تحت القصف في غزة، وخصوصا قتل أسرتين كاملتين يوم السبت الماضي بالقصف.
في ذات الاتجاه، كان يسير التلفزيون الرسمي النرويجي (هيئة البث العام) "أن أر كي"، في تغطية الحدث من زاوية استحضار الضحايا المدنيين تحت الأبنية التي تقصف في غزة. واستعرضت تقارير عدة للتلفزيون الحالة المأساوية للأسر الفلسطينية، بما في ذلك القصف الذي حدث فجر الأحد الماضي. هذا إلى جانب استعراض تاريخي لخلفية الصراع والقضية الفلسطينية عموماً. وأوسلو تنتهج موقفا متقدما في مواقفها من القضية الفلسطينية، رغم أن من يحكم فيها حكومة يمين وسط. وعلى ذات المنوال ذهبت المواقع الإخبارية والصحافة في أوسلو.
لم تغب أيضا عن معظم الصحافة الاسكندنافية، الأحد الماضي، الصدمة من استهداف مبنى الجلاء الذي ضم مؤسسات إعلامية. وفي أغلب التغطيات بدا الرفض واضحاً لكل الرواية الإسرائيلية، بل بين سطور التغطية يحضر غضب من استهداف تل أبيب لمبان مدنية وخصوصاً مبنى الجلاء ومباني سكنية، مع ما يشبه التهكم في عناوين "نتنياهو يؤكد لبايدن أنه لا استهداف للمدنيين في غزة"، ثم تستعرض بنفسها استهداف المدنيين وتنشر على مواقعها لحظة تدمير مبنى الجلاء.
أما على وسائل التواصل، وخصوصا تويتر، فقد نشط كثيرون في دحض روايات إسرائيلية حول مجريات العدوان. وصب البعض غضبه في كوبنهاغن على حكومة بلدهم (يسار الوسط) التي تقربت من نتنياهو، رغم منغصات استغلال اليمين المتشدد، المؤيد للاحتلال، لبعض التظاهرات وحرق وضرب سيارات في منطقة نوربرو مساء السبت وربطه بتظاهرة شهدتها كوبنهاغن تأييدا للفلسطينيين، وتصدت الشرطة بالقنابل المسيلة للدموع لنحو 100 شخص قرروا التوجه نحو السفارة الإسرائيلية إلى الشمال من المدينة.