تتنقل حسناء القابسي في الطابق السفلي لمبنى المكتبة الوطنية في العاصمة تونس بين رفوف عليها طبعات صحف ودوريات تعود للقرن التاسع عشر وتجمع نسخاً منها لرقمنتها في حملة تهدف إلى حفظ هذا التراث الفريد من المراجع والوثائق.
تعمل القابسي قيّمة على المكتبة، وتقول لوكالة فرانس برس، وهي تشهر نسخة غلب عليها الاصفرار، من صحيفة الحاضرة، المطبوعة بالعربية والتي تعود إلى عام 1885: "هذه الأرصدة شاهدة على حضارة تاريخية مهمة عاشتها البلاد". وتضيف: "هذا مخزن لحفظ الذاكرة التونسية".
وتضمّ المكتبة الوطنية في تونس، وهي هيئة حكومية، صحفاً نُشر بعضها منذ قرن ونصف القرن من الزمن بلغات متعدّدة، منها العربية والإيطالية والمالطية والإسبانية والفرنسية.
وتشكّل هذه الصحف جزءاً من مجموعة تضمّ 16 ألف طبعة، نشرت بمئات الآلاف من النسخ وتعمل المؤسسة على رقمنتها بهدف الحفاظ عليها كلّها.
وطُبعت غالبيتها باللغة العربية، وتعود أقدمها لمنتصف القرن التاسع عشر، عندما كانت تونس تحت حكم العثمانيين.
ومنذ إرساء نظام الحماية الفرنسية في تونس عام 1881، بدأت تصدر مطبوعات باللغة الفرنسية وأخرى بالعبرية والإيطالية والإسبانية والمالطية، بمبادرة من الأوروبيين الذين اختاروا البلد موطناً لهم.
وتتحوّل القابسي لغرفة أخرى في المبنى، وتتصفّح نسخة من الصحيفة العبرية لا فوا ديسراييل (صوت إسرائيل) التي أطلقت في عشرينيات القرن الماضي من قبل الجالية اليهودية في تونس، والتي كانت تضم نحو 100 ألف فرد حتّى فترة الاستقلال في عام 1956.
وعلى طاولة بالقرب منها نسخة من صحيفة لونيونيه (الوحدة) تعود إلى عام 1886، وهي من منشورات الجالية الإيطالية، التي بلغ تعدادها أكثر من 130 ألف شخص قبل الاستقلال.
وفي الغرفة المجاورة، يقوم تقنيون باختيار نسخ وتمريرها عبر آلة المسح الإلكتروني التي جُلبت خصيصاً من الخارج لإنجاز هذا المشروع.
في مايو/ أيار الفائت، نزّلت المكتبة الوطنية النسخ الرقمية لهذه الصحف على الإنترنت لإتاحتها للباحثين والراغبين في الاطلاع عليها، ولتفادي لمسها وتصفّحها كثيراً بالأيدي.
وتقول مديرة المكتبة الوطنية رجاء بن سلامة لوكالة فرانس برس: "أريد التسريع في عمليات الرقمنة، وخصوصاً في ما يتعلق بالدوريات؛ لأنّها كانت مهدّدة بالإتلاف وبعضها لا يوجد منه نسخ في أماكن أخرى".
وتعكف بن سلامة منذ توليها مهامها عام 2015 على التسريع في تنفيذ برنامج بتمويل يقدّر جزئياً بثلاثة ملايين دينار (حوالى مليون يورو). وقد شكّلت لهذا الغرض فريقاً من عشرين شخصاً يعملون على هذا المشروع، وأعطت الأولوية للصحف والدوريات لأنّها في حالة "سيئة" ويمكن أن تتفتّت.
وتؤكّد المديرة: "تمثل هذه الدوريات بلغاتها العديدة تونس المتنوّعة التي لم تعد توجد، تونس الفرنسية والإيطالية والمالطية واليهودية".
وقد غادر الكثير من أفراد هذه الجاليات تونس بعد استقلال البلاد.
ويعتبر المؤرخ عبد الستار عمامو بدوره أنّ هذا الأرشيف فريد من نوعه في المنطقة، من حيث تنوّعه و"غداة الاستقلال كان يوجد ثلاثة ملايين تونسي فقط، ولكن كان هناك تنوع كبير على مستوى الصحافة والنشر".
ويرى أنّ تونس كانت "موزاييك جميلة جداً ومتنوّعة ومختلفة جدّاً عن باقي الدول العربية والإسلامية الأخرى".
(فرانس برس)