ثار جدل لافت في الجزائر حول سماح السلطات، أمس الإثنين، لوزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، بزيارة مقبرة للجنود الفرنسيين الذين قتلوا خلال ثورة الجزائر، ووضْع إكليل من الورود على النصب المخلد لهم في المقبرة المسيحية في حي بولوغين وسط العاصمة الجزائرية، زيادة على منحه هدية من وزير الشؤون الدينية الجزائري.
وعبّر ناشطون ومعلقون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن بالغ استيائهم، من الزيارة التي قام بها الوزير الفرنسي إلى مقبرة الجنود الفرنسيين، ووضعه باقة ورود، كُتبت عليها عبارة "تخليداً لمن ماتوا من أجل فرنسا"، على الرغم من أن هؤلاء الجنود كانوا في وضع دفاع عن الاستعمار وقمع وقهر الشعب الجزائري. وزاد حنق المعلقين على هذه الصور التي نشرتها السفارة الفرنسية في الجزائر، كون الزيارة جاءت في شهر الثورة (نوفمبر/ تشرين الثاني)، وبعد أيام فقط من الاحتفال بذكرى اندلاع ثورة الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 1954.
وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرالد درمانان، والذي يزعم أن أصوله جزائرية بسبب وجود قبر جده الفرنسي مدفوناً في منطقة عين تموشنت غربي الجزائر، قد زار الجزائر يومي الأحد والإثنين الماضيين. وخفضت الحكومة الجزائرية مستوى استقباله لدى وصوله إلى مطار الجزائر الدولي، حيث كان في استقباله رئيس ديوان وزير الداخلية عياش هواري، بدلاً من وزير الداخلية كمال بلجود، ما بدا أنه امتعاض رسمي جزائري.
وكتب الناشط في الحراك الشعبي رضوان منصوري على صفحته على فيسبوك: "وزير الداخلية الفرنسي يحيي ذكرى الجنود الذين سقطوا من أجل فرنسا بمقبرة سانت أوجان ببولوغين بالعاصمة... أو بصيغة أخرى يترحم على الجنود الفرنسيين الذين كانوا يقتلوننا في أرضنا".
واستغرب علي محمد العربي أنّ "وزير الداخلية الفرنسي بعد تكريمه من طرف وزير الشؤون الدنيوية يزور المقبرة المسيحية واليهودية، ترحماً على جنود بلاده الذين ماتوا من أجل أن تبقى الجزائر تحت المستدمر الفرنسي".
وعلقت الكاتبة فتيحة بوروينة على الزيارة باستياء، وعلى مواقف الوزير الفرنسي المتشددة: "وزير الداخلية الفرنسي يصنع التطرف ثم يأتي إلى الجزائر لبحث ملف ترحيل المتطرفين! درمانان دعا مؤخرا إلى غلق محال بيع المنتجات الحلال!!".
وتطرقت التعليقات المستاءة أيضاً إلى إقدام وزير الشؤون الدينية يوسف بلمهدي على تقديم هدية إلى الوزير الفرنسي، في خضم حملة إساءة فرنسية للنبي الكريم وللإسلام، خاصة أن الهدية منحت لوزير يفتخر بغلقه أكثر من 300 مسجد في كامل فرنسا، وهو المشرف على تنفيذ مجموع التدابير التي تستهدف الإسلام والمسلمين في فرنسا.
وكتب النائب في البرلمان الجزائري سعود عمراوي محتجا: "لماذا يتم تكريم وزير الداخلية الفرنسي - حفيد الحركي (عميل)- من طرف الدولة الجزائرية، وزير الدولة التي تعمدت الإساءة لنبينا، وأغلقت المساجد، والمدارس القرآنية، وحتى مدارس اللغة العربية، وسكتت عن الاعتداء على الفتاتين الجزائريتين؟!".
وتساءل أيمن سحنون في تدوينة على صفحته "يكرمه لأنه أرسل شرطته لإغلاق المساجد في فرنسا؟ أم يكرمه لأنه قام بتعليق الصور المسيئة للرسول في الشوارع العمومية؟ سقطة لا تغتفر من يوسف بلمهدي وهي إهانة للشعب وللأمة الإسلامية ومساهمة في الإساءة للرسول لا يمكن أن نقبلها أو نسكت عنها، وهي أسوأ خطوة حصلت من مسؤول رسمي في العالم الإسلامي لحد الآن، لقد قمت أيها الوزير بالدوس على مبادئ الجزائر ودينها وتضحيات الشهداء وأنت تقوم بتكريم من يغلق المساجد ويحمي الصور المسيئة للرسول ويعلقها في الساحات العمومية، كما أنك تقوم بتكريم ابن حركي باع دينه وبلده لأجل مصلحته الشخصية".
وعلق الناشط السياسي زكرياء الجزائري على التكريم، وقارن بين موقف شيخ الأزهر وموقف وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري: "بينما كان وزير الشؤون الدينية في الجزائر الجديدة يكرم وزير الداخلية الفرنسي، ويحدثه عن حب الإسلام وتسامحه، كان شيخ الأزهر في مصر السيسي وما مصر السيسي، يوجه رسالة قوية لوزير الخارجية الفرنسي قائلا له"إن حديثي بعيد عن الدبلوماسية حينما يأتي الحديث عن الإسلام ونبيه صلوات الله وسلامه عليه"، الإساءة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مرفوضة تمامًا، وسوف نتتبع من يُسيء لنبينا الأكرم في المحاكم الدولية، حتى لو قضينا عمرنا كله نفعل ذلك الأمر فقط".